واشنطن - رويترز - يعتقد خبراء أن الولاياتالمتحدة باتت تشكل تهديداً عالمياً من خلال تصرفاتها المنفردة في فرض قواعد جديدة جريئة للتحكم في الأسواق، يرى منتقدوها أنها ستلحق الضرر بالشركات الأميركية والمصارف الأجنبية والأسواق العالمية بضربة واحدة. وأصبحت أحدث كلمة تتردد على الألسنة في عالم المال «extraterritoriality» (خارج الحدود)، في إشارة إلى سعي حكومة ما إلى فرض سلطتها وراء حدودها. فقد برز الخوف بعد أزمة 2007-2009 المالية التي هزت الأسواق العالمية من أن تخوض بعض الدول سباق تسلح من خلال إصلاحات مالية صارمة بهدف تصوير نفسها كأكثر الأسواق أماناً، ما يجعلها تفرض قراراتها اعتباطاً على دول أخرى. وعلى رغم حديث الولاياتالمتحدة عن إتاحة فرص متساوية للجميع على مستوى العالم، فإن بعضهم يرى فيها دولة مارقة بسبب قاعدة «فولكر» التي لا مثيل لها للحد من التعاملات المصرفية المحفوفة بالأخطار، والتعجيل ببرنامجها لفرض إصلاحات جديدة في مجال الأدوات المالية المشتقة. وتزايدت ردود الفعل في الأسابيع الأخيرة، وبدأ وزراء المال لعدد من الدول نقل مخاوفهم إلى المسؤولين الأميركيين في قطاع المال والى وزير الخزانة تيموثي غايتنر، وكذلك رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي (المصرف المركزي) بن برنانكي. وقال وزير المال البريطاني جورج أوزبورن في رسالة إلى برنانكي أواخر الشهر الماضي «في وقت تعاني سوق المال من الضغوط، أريد أن أضمن أن يدعم هذا الحوار في المسائل التنظيمية، التعاون، بهدف تقليص أي عواقب غير مقصودة للإصلاحات التنظيمية على جانبي المحيط الأطلسي إلى أدنى حد ممكن». السندات الحكومية وتخشى اليابان وكندا أيضاً أن يتقلص التعامل بسنداتهما الحكومية، ما لم تعفَ الشركات غير الأميركية من قاعدة فولكر. ومن المتوقع أن يثير المسؤول عن قطاع الخدمات المالية في الاتحاد الأوروبي، ميشيل بارنييه، هذه المسألة في اجتماع مع غايتنر هذا الشهر. ومع ذلك فإن لدى الاتحاد الأوروبي إصلاحاته الجريئة التي لا يضارعها شيء أيضاً، منها مقترحات صارمة لشركات التصنيف الائتماني وصناديق التحوط، وقانون خاص يتيح للشركات الآتية من خارج الاتحاد الأوروبي، أن تتعامل في دول الاتحاد فقط إذا كانت القوانين السارية في بلادها الأم معادلة للقواعد السارية في دول الاتحاد وأن توفر حقوقاً مماثلة للدخول إلى أسواقها. تنظيمات جديدة وجعل حجم القواعد التنظيمية الجديدة الذي لم يسبق له مثيل في مختلف أنحاء العالم، تداخلها أمراً محتماً لكن فك الاشتباك قد لا يكون بالسهولة أو السرعة التي حدث بها ذلك. وأوضح مسؤول تنظيمي دولي، طلب عدم ذكر اسمه بسبب الحساسيات السياسية، أن القواعد التي يمتد أثرها إلى ما وراء الحدود «تسبب مشاكل وتعمل على إبطاء الأمور. كثيرون بدأوا يفيقون الآن على قاعدة فولكر لكنها تستلزم أن يجري الكونغرس تعديلاً تشريعياً». وشرح القائم بأعمال مدير الأسواق في هيئة الخدمات المالية البريطانية، ديفيد لوتون، إن الأمر سيستغرق «سنوات من التحليل حتى يتمكن القائمون على السلطة التنظيمية من البت في ما إذا كانت النظم متعادلة». وتشعر الشركات الأميركية أيضاً بالاستياء لما ترى أنه مقترحات صارمة مبالغ فيها لتنظيم أسواق المشتقات المحلية، من دون أن يكون لها قوة كافية خارج الحدود لضمان عدم تفوق المنافسين الأجانب. وقال محام في أحد مصارف «وول ستريت»: «اعتبر ذلك كابوساً في ما يتعلق بالتنافس»، مشيراً إلى أن المصارف الأميركية لن تتاح لها فرص مساوية لفرص المصارف الأوروبية. ومن العوامل التي تغذي المخاوف من مدى نفوذ القواعد التنظيمية، الجهود التي تبذلها «مجموعة العشرين» لإلقاء الضوء على سوق المشتقات التي تبلغ 700 تريليون دولار والتي ضخمت المشاكل في مصرف «ليمان براذرز» المنهار وشركة «إيه آي جي» للتأمين التي احتاجت تدخلاً لإنقاذها. وتسبق الولاياتالمتحدة الاتحاد الأوروبي بسنة تقريباً في ما يخص وضع إطار جديد للأدوات المالية المشتقة، بينما تتخلف عنهما آسيا بدرجة واضحة. ويشعر الاتحاد الأوروبي بالاستياء لأن مصارفه المركزية لن تعفى من شروط تسوية التعاملات بالمشتقات في السوق الأميركية. والنتيجة هي أن من المستبعد أن يتمتع «مجلس الاحتياط الفيديرالي» في المقابل بإعفاء من الشروط التي ستفرضها دول الاتحاد. وقال الشريك في «آلان أند أوفري» للمحاماة في هونغ كونغ، آلان إيونز، «من حق المصارف المتعددة الجنسية في آسيا أن تشعر بأنها أهداف سهلة في ميدان للرماية». لكن رئيس الخدمات المالية لدى شركة «كليفورد تشانس» للمحاماة في لندن، كريس بيتس، رأى أن الإطار التنظيمي غير المتساوي الذي بدأت ملامحه في الظهور، دفع المصارف إلى التفكير في تأسيس كيانات أو أدوات تسمح لها بتسجيل الأنشطة في آسيا لتجنب القواعد الأميركية والأوروبية. وعقد غايتنر الأسبوع الماضي مؤتمراً صحافياً اعترف فيه بوجود توترات ناتجة من تأثير القواعد التنظيمية في ما يتجاوز الحدود الوطنية. وحذر دولاً أخرى من تبني قواعد أخف بهدف سحب تعاملات من الأسواق الأميركية مطالباً في الوقت ذاته السلطات التنظيمية بأن تتوصل إلى وسيلة معقولة لتطبيق القواعد المتباينة.