أثار خطاب ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي حول إصلاح النظام المصرفي الاميركي، الذي عرف ب «قانون فولكر» نسبة إلى الخبير الاقتصادي بول فولكر الذي يشغل منصب مستشار الرئيس للتعافي الاقتصادي، انتقادات في اروقة الكونغرس (مجلس النواب) ومجلس الشيوخ والقطاع المصرفي في الولاياتالمتحدة، وتخطاها إلى الضفة الاخرى من الاطلسي فانتقده مسؤولون مصرفيون أوروبيون. وأفاد نائب الماني من الحزب الحاكم، مقرّب من المستشارة الالمانية أنغيلا ميركيل، بأن «اعتماد نسخة مطابقة للاقتراح الاميركي يشكل أخطاراً على المصارف الألمانية والمودعين». وفي هذا السياق، استوضحت «الحياة» خبيراً اقتصادياً لبنانياً ذا دراية بالنظام المصرفي الاميركي، لمعرفة احتمالات تطبيق هذه الاقتراحات في حال تحوّلت إلى قوانين ومدى تعميمها. بيروت - لينا الرحباني اعتبر زياد فرزلي، المدير الإداري في شركة «سيداروود أدفايزورز» الأميركية (Cedarwood Advisors) للاستشارات المالية والاستراتيجية للشركات والمستثمرين والمؤسسات والحكومات والمنظمات الدولية في التنمية الاقتصادية، ان هناك نظريتين حول القوانين المقترحة في الولاياتالمتحدة، أولى تقول ان «اوباما يبيع الناس كلاماً»، ليقول للشعب الاميركي الذي تكبّد اموالاً ضريبية طائلة لإنقاذ المصارف الاميركية من ورطة الديون العقارية: « فريقٌ ما على الاقل، أي المصارف، يخضع إلى عقاب»، من غير معاقبته فعلياً. وثانية تؤكد ان بول فولكر (ايضاً رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي سابقاًَ) جاد في اقتراحاته المتشددة على المصارف. ورجّح فرزلي أن «يستمر النظام المالي مبدئياً كما هو الآن مع تعديلات طفيفة»، خصوصاً ان «فولكر ليس جزءاً من فريق عمل الادارة الاميركية المتمثل فعلياً بوزير الخزانة تيموثي غايتنر وبرئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي، بن برنانكي». وقال فرزلي: «كان الأجدى فرض الإصلاحات المالية والمصرفية في عزّ الأزمة، أي حين كانت المصارف الكبرى في ورطة مالية وتستجدي الحكومة الاميركية للحصول على مساعدة»، واستطرد: «كان يمكن في حينه اخضاع المصارف إلى شروط قاسية، اما الآن فهي استطاعت العودة الى تحقيق الأرباح وسددت معظم القروض الحكومية، بفضل الاموال التي حصلت عليها واستخدمتها في المضاربة في اسواق المال، عوضاً عن تقديم القروض المصرفية للشركات والافراد». وتوقع فرزلي ان يكون هناك دور كبير لجماعات الضغط (lobbyists) في الكونغرس ومجلس الشيوخ ليعدّلوا الاقتراحات، علماً بأن المجلسين كانا باشرا العمل في قانون مالي جديد منذ حزيران (يونيو) العام الماضي، وبالتالي، هناك تساؤلات في اروقة المشرّعين عن «مغزى توقيت خطاب اوباما المتأخر في شأن الاصلاح المالي في كانون الثاني (يناير) الماضي». ويلفت فرزلي الى وجود « فراغات في القوانين تستغلها المصارف لمصلحتها»، ويستشهد بالمثل الانكليزي، «ان الشيطان يكمن في التفاصيل». وحول اقتراح مَنع المصارف من الاستثمار في صناديق تحوّط (hedge fund) او صناديق استثمار خاص (private equity) أو تملكها، اوضح فرزلي، ان الادارة ستحثّ المصارف على بيع صناديق التحوّط التابعة لها، لكن «هذا لا يعني ان المصارف ستلتزم بسهولة». واستطرد بأن اقتراح تدعيم رأس مال المصرف واقتراح الحد من الاقتراض المضّخم على راس المال (leverage) قراران مهمان، وقد ينظّما عمل المصارف تلقائياً، إذ تضطر، لتلتزم بهذه الشروط، إلى بيع كثير من صناديق التحوّط التابعة لها. وفي رأي فرزلي، ان اوباما لم يتطرّق إلى موضوع مهم جداً في خطابه، وهو ان «معدل الفائدة الاساس على الدولار لا يزال منخفضاً جداً منذ خفضه بعد إنطلاق أزمة المال نهاية 2008، وهو يشجّع على المضاربة في اسواق المال المختلفة». وحول بند مَنع المصارف من التداول في اسواق المال لحسابها الخاص بغية الربح (proprietary trading)، والسماح لها فقط بالتداول لمصلحة زبائنها، اوضح فرزلي ان «الفصل بين النشاطين صعب جداً تقنياً»، لافتاً إلى ان المصارف الكبرى فقط تمارس هذه النشاطات، واعتبر ان الحدّ من انواع مضاربات على اوراق مال معيّنة أجدى، مثل «العقود المدعومة بالقروض السكنية» (MBS) او عقود «مقايضة العجز عن تسديد قروض إئتمان» (CDS)، علماً انها كانت السبب الرئيس في انطلاق ازمة القروض السكنية الأميركية، لافتاً إلى ان المصارف قادرة دائماً على إيجاد وسائل مالية للمضاربة بها في شكل اقرب إلى «المقامرة» منه إلى الاستثمار. قانون «غلاس - ستيغال» واستبعد العودة إلى تطبيق قانون «غلاس - ستيغال» (اعتمد عام 1933 لإصلاح النظام المصرفي بعد الكساد الكبير وحظّر المؤسسات المصرفية من تملك مصارف أخرى وفَصَل بين المصارف التجارية ومصارف الاستثمار، وألغي العمل فيه عام 1999)، عازياً الامر إلى «أسباب اهمها ان المشاكل الاقتصادية الأميركية الحالية لا تزال كبيرة، وعلى رأسها ارتفاع معدل البطالة، تضاف إليها مشاكل الدين السيادي لدول أوروبية عدة، وإشاعات عن احتمال انطلاق ازمة في سوق العقارات الصينية». وحول اقتراح اوباما تقديم مِنَح اجمالية بقيمة 33 بليون دولار إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة (شكل 99 في المئة من الشركات الاميركة وتوظّف اقل من 500 عامل لكل منها، بمعدل 10 لدى معظمها)، في شكل اعفاء ضريبي بقيمة 5 آلاف دولار في مقابل كل عامل يُوظف خلال السنة الحالية، اشار فرزلي إلى ان مفعول الاقتراح سيكون «واضحاً وفعّالاً» لأنه قائم على علاقة مباشرة بين الحكومة والشركات، ولا يمرّ عبر المصارف. أخيراً، يتداول العارفون في الشؤون الأميركية نظرية تفيد بأن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش اودع خلفه أوباما «تركة ثقيلة» ونقل اليه «كرة نار مالية»، تضاف إلى تحديات داخلية متعددة، قد تكون السبب الرئيس في خسارة الحزب الديمقراطي الاكثرية النيابية وتقدّم الحزب الجمهوري في الانتخابات التشريعية النصفية المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.