ممرات وأزقة ضيقة تمتلئ بالنفايات والقوارض وتتسرب من جدرانها المياه الآسنة، تجبر خلالها على الصعود تارة والنزول تارة أخرى عبر دهاليز صعبة. هذا اختصار لرحلة قصيرة، ولكنها مملة لطريق يؤدي إلى منزل تقطنه «أم سلمى» وبناتها اليتيمات في حي العقيق العشوائي في الطائف. تدخل منزلاً أقل ما يقال عنه إنه متواضع، ثلاث غرف فقط تستطيع من خلالها تفحص جدرانه المتهالكة وفرشه البالية وأثاثه المحطم، وتضع علامات استفهام كثيرة في عقلك، وعلى محياك تعابير الدهشة والوجوم. الغرف عبارة عن مطبخ ومجلس، والثالثة خصصت للنوم الذي اعتبرته أم سلمى فترة تنشد من طريقها غفوة من دون كدر ومجال للهروب من الضغوط التي تلاحقها بعد أن توفي زوجها. وعن وصف الحال، تقول أم سلمى: «منزلنا يضم بين زواياه صورتين لليتم، أولاها وفاة زوجي قبل سبع سنوات تاركاً فتاة تدرس في المرحلة المتوسطة تحملت مسؤوليتها وفكرت كثيراً في كيفية توفير حياة كريمة لها وإبعاد زهرة شبابها التي ما زالت في بداياتها عن المنغصات، بيد أنها اعترت طريقها باكراً ورسمت خطوط الحزن وأشعرتها بمعنى اليتم، أما الصورة الأخرى التي ضاعفت معاناتي، فهي وفاة زوج ابنتي الأخرى، وبين يديها طفلة لا يتجاوز عمرها أربعة أعوام». وتضيف: «اليتم مسلسل امتدت فصوله وتربع في أسرتنا وشمل بناتي وحفيدتي»، مشيرة إلى «تجاوزت50 من عمري وقواي وبصري أخذت تضعف في مواجهة متطلبات الحياة، والأمراض المزمنة تتابعت على جسدي، ولا أعلم إلى أين يسير مستقبلي وملف اليتم الذي أديره». وتكشف أم سلمى أن مجموع الدخل الذي يصل إلى أسرتها من الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية لا يتجاوز ثلاثة آلاف ريال في الشهر، «في ظل كثرة أفراد الأسرة وغلاء المعيشة لا يكاد هذا المبلغ يكفي للطعام والشراب، وهو ما يدفعني إلي الاقتراض أحياناً كثيرة خشية أن تشعر اليتيمات الثلاث بالنقص عن غيرهن». وتستطرد: «أضطر إلى تأجيل السداد إلى أشهر عدة في انتظار مساعدة مقطوعة من الضمان الاجتماعي تصرف سنوياً تبلغ عشرة آلاف ريال، وطوال هذه المدة أعيش معاناة لا يعلمها إلا الله، جراء هم الدين والخوف على البنات»، موضحة: «لا نستطيع الادخار والاستثمار مثل بقية الناس فما يأتي من دخل يستهلك، وهذا الأمر مهمة بالنسبة لي، فأنا هنا أتحدث عن مستقبل فتيات ربما لا يضيع مستقبلهن في حال وفاتي». ولا تخفي أم سلمى أن ما يؤرقها على رغم هذه المصاعب هو المنزل الذي تدفع إيجاره الجمعية الخيرية والبالغ 8 آلاف ريال سنوياً، «لا يمكن زيادة هذا المبلغ الذي أجبرنا على السكن في هذا الوضع، فنحن نواجه إحراجاً عند استقبال الضيوف من الأقارب والجيران وزميلات بناتي، خصوصاً أن الغرف ضيقة والأثاث متواضع أما الملابس والمظهر الخارجي فهي مما رخص ثمنه». وتنتظر أم سلمى بفارغ الصبر مشروع الإسكان الذي تبناه خادم الحرمين الشريفين، مؤكدة أنها وبناتها وقعن ضحية غلاء المعيشة وارتفاع أسعار العقارات الي أرقام فلكية من الصعب مجاراتها.