يبدو لي أن كثرة الازدحام زادت من وعي بعض السائقين، إذ اكتشف قليل منهم أن الالتزام يوفر الوقت عليه وعلى الآخرين، ثم إن بعضهم اكتشف طرقاً أخرى بديلة، والبعض الآخر أعاد جدولة رحلاته وارتباطاته داخل المدينة. الازدحام نفسه أفرز فئة أخرى سلبية، لا كلمة سلبية قليلة في حقهم، إنهم مجموعة من المتخلفين، لديهم نزعات سرقة الوقت من الناس، وعندهم «أنا» عالية على الضعفاء، وهم طفيليات تضخمت مع ضعف النظام أو هو ضعف تطبيقه وسلبية الناس المظلومين منهم. كلام كبير على فعل صغير، لكن التأمل لأشهر عدة فيهم زادني حنقاً عليهم، لماذا؟ لأنهم يختارون ضحاياهم من قائمة تبرز حقارتهم، فهم يعتدون على حق السائق الآخر إذا كان مسناً، أو مقيماً تبدو عليه سيماء الاحترام والتهذيب، أو سائق عائلة، أو سيارة أبطأ قليلاً مثل باص المدرسة، أو سيارات النقل المتوسط، أو إذا كان متسامحاً بعض الشيء. في كل تقاطع فيه إشارة ضوئية، غالباً هناك دوران للخلف من اليسار (إذا كانت فوق جسر)، وهناك مسار أيمن للذين سيتجهون لليمين، ويفترض أنه خالٍ وسالك، وأنت تقف في الإشارة التي باتت في الرياض تستغرق أحياناً ثلث الساعة، يأتي من اليمين واليسار من يسرق حقك، ووقتك، ويهين التزامك بالنظام، وغالباً يختار من الصف من أشرت إليهم أعلاه، أو هو يجرب من يكون متسامحاً أو خائفاً على سيارته. في الماضي كنت أسمح لهم على اعتبار أن يفتحوا الطريق لمن خلفهم ممن لن يقفوا في الإشارة، ثم بموازنة المصالح أدركت أن فعل هذا يوجب استئذان كل من خلفي، فقراري ديكتاتوري، لأن بعضهم لن يأذن، وهم مثلي ومثله لديهم وجهات ومواعيد عمل، فبت لا أسمح له مهما كلفني الأمر، وحتى لو كان مسناً، أو سائق عائلة تعلّم البلطجة المرورية، وأدعوك ألا تسمح له، وأدعوكِ سيدتي أن تشددي على سائقك ألا يسمح له. لا تستطيع أن تفعل له شيئاً، لكني أقترح عندما تراه أن ترمقه بنظرة إنكارية، فهذا المنكر الصغير دلالة على استباحته لحقك، ومن يفعل ذلك غالباً في «الوقت العام»، ربما يفعله في «المال العام»، «الممتلكات العامة»، وهو يرمز لفئة من الناس تعتد بعنتريتها الفارغة، أو تسيء إلى «سعوديته» أمام الناس. يبدو أمراً صغيراً في حياتنا اليومية، لكن الاستسلام لصغائر الأمور يجعلها في النهاية كتلة كبيرة، وبضعة تفاصيل حياتية يومية صغيرة يمكنها أن تصنع شيئاً يسيراً في تحضرنا الذي نرومه. أتمنى ان تكون إحدى حملات هيئة الأمر بالمعروف التوعوية أو الإعلامية بعنوان «إذا رأيت منكراً مرورياً غيره بعينك». [email protected] twitter | @mohamdalyami