منذ البداية كان النقد السينمائي ظاهرة ثقافية مغربية بامتياز. هو كذلك حتى قبل أن تصير السينما مجالاً منتجاً للأفلام والمخرجين والمنتجين والممثلين والكثير الكثير من المنتفعين والانتهازيين الذين ظهروا بلا معرفة ولا ثقافة ولا حس فني مقبول. وهو ظاهرة لكونه نشأ في حضن الأدب والفن والسياسة والعمل الجمعوي. أي في حضن النادي السينمائي أصلاً. وهذا الأخير لم يكن مجالاً للفرجة البسيطة والمتعة الرخيصة، بل ميداناً لصراع الفكر، ولتخصيب المخيلة الإبداعية، ولممارسة المعارضة السياسية ضد كل أشكال الاستبداد، وطنياً وعربياً ودولياً، بما أنه كان دوماً منتصراً لقيم الحداثة والحرية والعدالة. يساراً بالطبع. والنقاد السينمائيون كانوا يحملون كل هذا، وبه أقنعوا بعد دوائر للدولة التي اقتنعت بدورها، وإن بطريقة غير مباشرة، في آخر المطاف، بدور السينما في الإشعاع والتثقيف ونسج صورة للبلد عالمياً والمساهمة في التنمية. وحين تحقق المراد كما نلاحظ حالياً مع وجود كم فيلمي كبير قياساً مع المحيط العربي والإقليمي، انحسر دور النقد أو تم وضعه في خانة اللامبالاة أي انه بات موجوداً من دون تأثير ملموس في العمق. وما حضور بعض الأسماء القليلة هنا وهناك في بعض القرارات والمراكز المعينة إلا استثناء يؤكد القاعدة رغم ما يقدمونه من خدمات للفن السابع. هذا الأخير الذي يحتاج للكثير من المتابعة النقدية والفكرية. والمثال الأكبر على هذا الانحسار يمثله بروز صراع دائم ومتكرر للرؤية النقدية التي تمثلها مثلاً الجمعية المغربية لنقاد السينما مع محطات مهرجانية سينمائية رسمية، كالمهرجان الدولي للسينما في مراكش ومع المركز السينمائي المغربي حين توقف دعمه لمجلة سينمائية "سين.ما" بعد سنتين من الرفقة التي شكلت محطة مهمة لممارسة النقد إعلامياً وفي شكل مستقل. وهي مجلة كانت بعد سنوات نقدية عجاف ترسيخاً لعلاقة أمل كبيرة، وعلاقة عمل مثمرة، واعترافاً جميلاً للنقد السينمائي، بل كذلك أحد منجزات الناقد السينمائي نور الدين الصايل قبل إدارته المركز السينمائي الذي عرف الازدهار الحالي. نعم توقف الدعم لأسباب ليست بالأهمية الكبرى صراحة بما أنها لا تعتمد على أسس لا يمكن تداركها بسهولة ويسر. وتم هذا للأسف، في الوقت الذي بشرت بداية وجود تأطير مؤسساتي للنقد السينمائي في منتصف التسعينات بقبول رحب واسع انشرح له الكل، وعلى تعاون كبير محترم جسدته في واقع الأمر لجان النقد التي تشكلت من أعضاء الجمعية في مهرجانات الفيلم الوطني، في لقاءان النقاد المهمة بمخرجين كبار كعباس كيارستاومي في مهرجان مراكش الدولي لسنة 2005، والذي أسفر عن فيلم توثيقي عالمي من إخراج هذا الأخير ومدير تصويره الإيراني. وأيضاً مع إشرافهم على تنشيط ندوات جامعية كبرى كان لها أبلغ الأثر الإيجابي على السينما المغربية وعلى العديد من المخرجين الشباب. والوضعية هي من قبيل الذي لا يجب أن يحصل أصلاً. لأن الطبيعي أن يتم التعاون في مجال المعطى الرمزي، وليس المنافحة التي بلا ربح. فما الذي سينتج من تضاد أو عرقلة أو تجاهل سوى التعطيل، وفقدان الرأي المتعدد الواجب. النظرات الضيقة لا تنتج التطور ولا التراكم الكمي المنشود. وكل من ثبّت مكانته بالوجود والإبداع والكتابة، لا بد أن يكون السند والمرغوب إذا كان القصد هو تطوير مجال فن السابع نحو الأحسن.. فالحقيقة أننا فشلنا في أن نبدع الروائع التي ستجعل العالم يلتفت إلينا عبر بوابة الإبداع الخالص فقط وليس جوانبه التقنية أو المرافقة.