إذا كان الإبداع «يولد من رحم المعاناة»، فإن كل قصيدة يكتبها الشاعر تقف خلفها آلام وماس، وإذا كان الحب محرضاً من محرضات الإبداع، فإن الموت هو بالضرورة محرض آخر في قرائح الشعراء، ومن هنا نستطيع القول ان كل قصيدة كتبها وانشدها الشاعر عبدالله الصيخان في الأمسية التي نظمتها جمعية الثقافة والفنون في جدة أخيراً، تشير إلى ذكريات كثيرة مليئة بالأحزان والأفراح التي عاشها الشاعر، واستطاع تحويلها إلى لحظات شعرية، وعبرت عن واقع هذا المبدع وتعاطيه المباشر مع الحياة اليومية، وتوظيف مفرداتها في ثنايا القصائد. واستطاعت القصيدة - الصيخانية - أن تلّف حولها جمهوراً كبيراً من المثقفين والأدباء الغائبين عن الأمسيات الثقافية في جدة، وانتشى الشاعر على دندنات العود ونغمات الكمان المصاحبة لقصائده، ليحلق بالجمهور في سموات الإبداع ثم يقول لنا الصيخان بعدها: «لقد أخرجتموني من حالة القطيعة التي فُرضت عليّ، ولم أكن أريدها واثبت لي كل من حضر أنني لست يتيماً في هذه المدينة الجميلة». وأكد الصيخان في أمسيته أن الشعر حيّ لا يموت وأن القصائد لا تنثني للرياح ولا تنتهي في بطون الكتب؛ فصوته الجهوري وأداؤه المسرحي على منصة الجمعية جعل من الجمهور يصفق غير مرة ويردد معه قصائده العذبة. ولم ينس الصيخان رفيق دربه الشاعر الراحل محمد الثبيتي، الذي رحل قبل عام في قصيدته «محمد» إذ يقول: «قم يا محمد إني أناديك.. إن العيون التي انتظرتك طويلاً بكت في ظلال القصيدة». ثم يعود فيستلهم المدينتين المقدستين مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة اللتين استطاع من خلالهما أن يؤكد أن الشاعر الموهوب مهما كتب شعره في شكله التفعيلي، فإنه عودته للشكل العمودي لا تشكل له عائقاً أو تحدياً. يقول الصيخان في نص طيبة: «ألصقت وجهي بالسياج أشمه وبكيت بين القبر والمحراب لما ذكرت حشاشة قد ودعت مني ومالت - زهرتي - لغيابي». ثم ينتصر للمرأة والفرح في غير قصيدة ونص شعري ألقاه على مسامع الحضور. الأمسية التي استمرت إلى وقت متأخر من الليل قال عنها الدكتور عبدالله مناع: «لقد أعاد لنا الصيخان الأمل في الشعر، وأعادت لنا جمعية الثقافة والفنون وهج الأمسيات الثقافية، التي عهدتها مدينة جدة قبل سنين عديدة». وزاد: «إن الامتزاج الفني بين العازفين احمد فلمبان، على آلة الكمان، ويوسف الشريف، على آلة العود، وصوت الصيخان الإذاعي، أضافت بُعداً آخر للأمسية وأحيت فينا الأمل من جديد». وأكد مدير الجمعية عبدالله التعزي أن حضور «قامة شعرية كبيرة مثل عبدالله الصيخان في أولى أمسيات المنتدى الثقافي، والتفاف عدد كبير من الجمهور الجداوي حوله يؤكد أهمية هذا الشاعر وتجربته المهمة، التي تمتد لأكثر من ثلاثين عاماً»، مضيفاً: «لا شك في أن الجمعية تسعى إلى استضافة أسماء أخرى مهمة في الثقافة السعودية، والعمل الجاد على تلبية حاجات المهتمين بالثقافة والأدب في جدة». وازدانت الأمسية التي قدمها الروائي والإعلامي محمود تراوري بأنامل العازفيَن الفنان يوسف الشريف على آلة العود والفنان احمد فلمبان على آلة الكمان وشهدت حضوراً كبيراً من الرجال والنساء وعدداً من وسائل الإعلام المختلفة.