حتى الآن تعاونت الكاتبة مريم نعوم مع المخرجة كاملة أبو ذكري والممثلة نيللي كريم في ثلاثة مشاريع، أولاً في فيلم «واحد صفر» الذي حظي بقبول نقدي واسع، وحازت عنه المؤلفة «جائزة ساويرس» في السيناريو فرع شباب الكتّاب، ثم في مسلسل «ذات» عن رواية صنع الله إبراهيم التي تحمل الاسم نفسه، وأخيراً في موسم الدراما الرمضانية الحالي أتى التعاون الثالث عبر مسلسل «سجن النسا» عن مسرحية «سجن النساء» للكاتبة فتحية العسال (1933 - 2014). عبر الأعمال الثلاثة، أوجدت كريم وأبو ذكري ونعوم مساحة من الكيمياء المشتركة، وزوايا جمالية متناغمة بين المؤلفة والمخرجة وبطلة العمل. في معنى أدق أوجدن حالاً من التناسق الفني، سواء كان ذلك على مستوى المضمون أو الصورة أو حتى في مجال انتقاء بقية طاقم العمل، وهي المهمة التي تبرع فيها المخرجة كاملة أبو ذكري. فإلى جانب نيللي كريم، أحد أضلاع الثلاثي المتألق، اختارت أبو ذكري أسماء من نوعية نهى العمروسي، وسلوى عثمان، وسلوى خطّاب، وأحمد داود، وأيمن قنديل، وضياء الميرغني وغيرهم من أصحاب الأداءات القوية، والذين قاموا باستنفار الطاقات التمثيلية الكامنة لدى نيللي كريم، خصوصاً أن هذه الأخيرة اعتادت حتى وقت قريب على تمثيل دور «باربي السينما المصرية»، أي تلك الفتاة الحسناء ذات الملامح الغربية. ومن المؤكد ان التناغم الفني الرفيع بين الكاتبة والمخرجة، كان له دور واضح في تألق نيللي كريم، وتخطيها قفزات على مستوى الإنجاز الفني لتكشف طاقات تمثيلية عظيمة، ومساحات بكر غير مطروقة في مسيرتها الفنية، وهذا ما أكدته الفنانة نيللي كريم، قائلة: «لاشك في أن هناك كيمياء خاصة وتناغماً فنياً يجمعني مع الثنائي المخرجة كاملة أبوذكري والسيناريست مريم نعوم منذ فيلم «واحد صفر». كما جاء نجاحي في مسلسل «ذات» على درجة لم أكن أتوقعها بهذا القدر، كدليل على هذا التناغم والتفاهم. ما يعني بالتالي ان المخرجة كاملة أبو ذكري باتت قادرة على تقديمي في قوالب مختلفة مكتشفة طاقات فنية وجوانب لم أتطرق إليها في شخصيتي الفنية. فهي مخرجة مبدعة بكل المقاييس ليس فقط في دراستها للعمل الذي تقدمه أو اختيارها أبطال أعمالها وفريق العمل كله فقط، بل بخاصة في رؤيتها ما تستخرجه من الفنان. كاملة راهنت علي وأعادت اكتشافي مرة أخرى». رهان الدراما والأدب الرابح أثناء وجودها في سجن النساء في العام 1982، أنجزت الكاتبة فتحية العسّال كتابها الذي منح للمسلسل اسمه. وفيه تحكي عن مشاهداتها في السجن، عن الكيفية التي يمضي بها عالم السجينات والمصالح والغدر والمواءمات والصراعات، عن معاناة نزيلات السجن، وجرائمهن وأسباب دخولهن، وعن القصص الأخرى القابعة خارج جدران الزنازين، وإن كانت مرتبطة بالقابعات خلف الأسوار. أما المسلسل المعروض الآن على الفضائيات فيحكي قصة غالية (نيللي كريم) التي ترث مهنة أمها كسجّانة في سجن القناطر الخيرية للنساء، ويتطرق الى علاقاتها بالسجينات والسجّانات والمجتمع من حولها، كما يتسع منظور الرؤية فيطاول كل ما يمثل سجناً للمرأة المصرية/العربية، فيعرض مثلاً لحالة دلال (درة زروق) والتي تخضع لسجن الجسد، وبالتحديد للرؤية الشرقية للمرأة والتي تكاد لا ترى فيها سوى جسد يصلح فقط لشهوات الرجال، ومن هنا تضطر دلال للمتاجرة بجسمها مقابل بعض القروش لتصرف على إخوتها. ولأن السيناريست مريم نعوم تمتلك خبرة كافية في تحويل العمل الأدبي إلى سيناريو تلفزيوني (مسلسل «ذات» عن رواية بنفس الاسم لصنع الله إبراهيم، ومسلسل «موجة حارة» عن رواية «منخفض الهند الموسمي» للراحل أسامة أنور عكاشة)، لم تتوان عن الاتكاء على كتاب العسال وتحويله الى عمل تلفزيوني، إلا أنها لم تكتف بالمكتوب في النص الأصلي، إنما قامت أيضاً بزيارات ميدانية لسجن النساء. وتقول نعوم: «على رغم صدقية القصة الأصلية، إلا أن زيارات المعايشة أتت لتمنحني زوايا مختلفة للرؤى وتزودني بمخزون من الحكايات». وبالتناغم مع ميل السيناريست لانتقاء نصوص أدبية، فإن المخرجة كاملة أبو ذكري، تمتلك من المؤهلات الفنية والدراية بجماليات الشاشة الفضية ما يمكّنها من ترجمة كل البلاغة والفصاحة وتأثير الكلمة في القارئ، إلى جماليات مرئية ومسموعة للمشاهد على مستوى الموسيقى والكاميرا، بخاصة في ظل تواجد «ستايلست» بقيمة وموهبة ريم العدل في اشتغالها على الملابس والمكياج والشعر. وربما يكون الرحيل المؤسف للمؤلفة فتحية العسال، والذي تزامن مع قيام فريق العمل بتمثيل مشهد الجنازة، قد جاء لتحويل المشهد إلى جنازة حقيقية، طغى فيه الحزن الحقيقي على رحيل الأستاذة الكبيرة، التي آثرت أن تعطي دفعة وتترك بصمة أخيرة على العمل، بدموع انهمرت من عيون الممثلين، على ذلك الرحيل.