كانطباع أولي، تبدو الدراما المصرية في أفضل حالاتها في رمضان لهذا العام بينما العكس صحيح فيما يخص الأعمال التلفزيونية السعودية والخليجية. فهناك عدة تجارب مصرية تلفزيونية مبشرة ومختلفة شكلاً وموضوعاً. ومن ضمن هذه الأعمال يبرز مسلسل "سجن النسا" والذي يعرض على عدة قنوات من ضمنها قناة دبي، في لغته البصرية التي تقترب كثيراً من السينمائية، وفي موضوعه أيضاً. فهو أولاً: أشبه ببوابة للدخول لعالم سجن النساء وأنواع السجينات وقضاياهم وشخصياتهم المختلفة. ثانياً: يبحث المسلسل في العلاقة بين السجانة والمسجونة، فالسجانة تتلقى الكثير من التعليمات لكيفية الحفاظ على سلطتها داخل عالم السجينات. وربما ما يجعل المسلسل حالة مختلفة ومتميزة هو أنه مبني على عمل فني آخر كتب بعناية، فهو مقتبس عن مسرحية بنفس الاسم للكاتبة الكبيرة التي رحلت حديثاً فتحية العسال. كما أن كاتبة السيناريو هو السيناريست المبدعة مريم نعوم وقد شاركت في كتابة الحوار معها هالة الزغندي. يتناول رحلة "غالية" بنت السجانة التي توفيت أمها السجانة ولاحتياجها المادي بعد وفاة أمها وبضغط من كل من حولها تأخذ وظيفة أمها رغم عدم رغبتها بذلك، وهي تصحبنا معها في هذه الرحلة التي تكتشف هي فيها رويداً رويداً السجن وهو أشبه بعالم خاص ونكتشفه نحن أيضاً بصحبتها. القصة حتى الآن تبدو متماسكة ومشوقة، وأداء نيلي كريم عفوي وصادق ومؤثر كما أن الحوارات تبدو مكتوبة بشكل جيد جداً. كذلك فالحرص على التفاصيل الصغيرة وهو شيء يميز المبدعة كاملة أبو ذكرى مخرجة المسلسل، فهي حريصة على إظهار روح اللغة السينمائية وجمالياتها موجودة في كل مشاهد المسلسل، وتساعدها في هذا مديرة التصوير نانسي عبدالفتاح وهي نفس مديرة التصوير في فيلم "واحد صفر" والذي أخرجته المخرجة أبو ذكرى، وحاز على العديد من الجوائز. فالإضاءة مدروسة واللقطات والزوايا مختارة بعناية ومعبرة في معانيها وسردها، فهناك لقطة كلقطة الأقفال في الحلقة الثانية والتي تتكرر بأصواتها لتعطي إحساس السجن أو الشبك المعدني الذي تصور من خلاله "غالية" بطلة العمل والذي يشي فعلاً بأن السجانة هي أيضاً مسجونة، وقد عبرت بطلة المسلسل عن ذلك في حوار لها مع خطيبها بما معناه أن السجن ليس فقط جدران عالية وباب مقفل ولكن السجن هو كل شيء أن تجبر على فعله، فالسجن "كسرة وقهرة نفس"، على حد قولها. كذلك يبرز الذكاء في الإخراج في طريقة السرد البصرية أيضاً والانتقال من مشهد إلى آخر، كمشهد الحلقة الرابعة الذي تجرب فيه "غالية" فستان الزفاف عليها، لننتقل في المشهد الذي يليه إلى العروس من الخلف في العرس وتمضي اللقطة ونحن نعتقد أنها غالية وعندما تقابلنا العروس ندرك أنها شخصية أخرى في مفاجئة تنتهي الحلقة عليها. ويقترب المسلسل أحياناً من التوثيق في بعض لقطاته التي تعطي مساحة للمكان ولاستكشاف المواقع والأحياء والعوالم التي تدور فيها قصص الشخصيات. كذلك فالسجن يكشف أيضاً العالم الخارجي الذي يحيط به. وربما تكون هناك كثير من المسلسلات والأفلام الأجنبية التي تناولت عوالم السجون وربما أيضاً في الأدب العربي هناك روايات كاملة تدور عن السجن، وسجن النساء تحديداً كرواية الكاتبة المصرية المعروفة سلوى بكر "العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء"، حتى أن هناك فرعاً خاصاً بالأدب هو أدب السجون، ولكن أن يحضر عالم السجن من خلال السجانة، ونتابع أيضاً الحالات التي تدخل السجن وما هي العوامل التي قادتها إليه هو ما يجعل هذا المسلسل من الأعمال التلفزيونية المميزة لهذا العام.