اضطر أحياناً لاستخدام سيارات الليموزين «الأجرة»، هرباً من ضغوط القيادة العدوانية المتفشية، مع ندرة لمواقف السيارات في الرياض. بعد فترة اكتشفت إيجابيات هذا الاضطرار، عملاً بالتدقيق في نصف الكأس أو ربعها، وبلسم نردده: «ما يندرى وش الخيرة فيه».سائق الليموزين في الغالب آسيوي، يتعامل معك حسب هيئتك، طريقة وضع الشماغ أو الغترة لها دلالات وكذا العقال، يختلف الأمر إذا ما كنت تحمل حقيبة، حسب نوعها وحجمها، أما إذا كنت تتأبط «ملف أخضر علاقي» فيمكنه تحديد الوجهة والتعامل من أول نظرة.في الطريق حوار لسبر أغوار «الرأي الآخر»، يجمع سائقو الليموزين على أننا مستعجلون مثلما نجمع نحن أنهم كذلك، وهم يختلفون مثلنا في الاستعجال، الأقدم في المهنة أكثرهم ركادة، وهم يتفقون في قضية الاستعجال الطاغية على حياتنا مع عمال محطات الوقود في قولهم الشهير «سعودي مستعجل»، وهي ناتجة من إلحاح صاحب السيارة على التزوّد بالوقود حتى لو كان العامل مشغولاً بسيارة أخرى! يمثل المنبه «البوري» للبعض مصباح علاء الدين، الأخير يفرك والأول يدق وكثر الدق يفك اللحام. بعض سائقي الليموزين «الآسيويين» لهم تجربة في دبي، دفعتهم الأزمة المالية التي حدثت هناك للقدوم إلى السعودية، أستمع إليهم انسجاماً مع حوار الحضارات والشعوب، أكتشف أنهم يقارنون بين هنا وهناك، في النظام والسلوك. الإيجابي لديهم أن التوفير والادِّخار هنا أكبر بمراحل منه في دبي، والمعيشة إلى حدٍّ ما أرخص، حاضر عليَّ سائق ليموزين عن أسعار الكوسة وكيف يتمكن من شراء صندوق كبير من السوق الرئيسية ثم يبيع أو يهدي منه للجيران، في حين أنه في البقالة المجاورة بأضعاف الثمن، يستغرب السائق الآسيوي من هول الفرق السعري ومن حقه ذلك. بالنسبة اليهم يمثل الكفيل المرن الكنز المأمول المرتجى، والمرونة أنواع قد تصل إلى درجة التسيّب، أما السلبي فهو في سلوك البعض العصبي واستعدادهم الدائم للمصارعة الرومانية على الإسفلت، وفينا وفيهم خير. مع كل تلك العصبية التي نقود بها سياراتنا نقول «عط الحر فرصة»، ولا أحد يعطي فرصة للآخر، يستميت البعض في الاستيلاء على كل الفرص والمفارص، ويستمتع الواحد منهم «بتفريص» الآخرين، وكأنه الحرّ الوحيد.www.asuwayed.com