لم يكن سقوط السيدة التي تتزعم عصابة الليموزينات في جدة، في أكتوبر الماضي، القاصمة التي فضحت عالم الليموزينات. كما لم تكن مشاركة السائق السيرلانكي في عصابة الإجهاض بجدة في يوليو 2008، القشة التي قصمت ظهر العاملين في هذا القطاع الحيوي. ولم يكن القبض على ثلاثة إثيوبيين في جدة في سبتمبر الماضي 2010، استخدموا ليموزين طعما للإيقاع بضحاياهم من الركاب، مشهرين لافتة «الدفع أو الموت»، بابا يجعل شعار الإجرام حاضرا مع كل حضور لمثل هذه المركبات. ولم تكن حادثة الاختطاف التي تعرضت لها سيدة سعودية، في منتصف أكتوبر من العام الماضي 2009، حينما استقلت سيارة ليموزين من برج المملكة وسط الرياض لتتوجه إلى منزلها الكائن في شمال الرياض، مبررا لوضع الشكوك حول ما يدور في ساحة الليموزين الخلفية. لم يكن مبلغ 140 ريالا، الذي تطلبه معظم شركات الليموزين من السائقين كتوريد يومي، مبررا لانتشار ثقافة الإجرام في أوساط أكثر الفئات التي يعتمد عليها المواطن في خدماته. فماذا يحدث في عالم الليموزين، وما حقيقة أن العصابات الليموزينية لا تتوقف في مدينة بعينها، ولا ترتبط بجنسية محددة، ولا تتعلق بجنس بعينه، لكنها ترتبط بمهنة لا يمكن الاستغناء عنها، ولا يمكن لأحد أن يتردد يوما في الاستعانة بها، سواء من مسن أو شاب أو مراهقة أو سيدة أو مريضة أو حامل، أو حتى أطفال. وهل جاء اليوم الذي يمكن أن نضع فيه علامة «X» على قطاع الليموزين، أم أن الجرائم التي ارتكبت بهذا القطاع سابقا وحاضرا، وما يمكن أن يرتكب مستقبلا من باب الجرائم الفردية، أو حسبما يعترض أحد السائقين الذين التقيناهم في الشارع العام: «لا تشوهوا صورتنا، لأننا فئة نعمل ونكد، والشركات تلتهم منا الأموال والعوائد، ومع ذلك لسنا سيئين إلى الدرجة التي تحاولون الترويج فيها بأننا مذنبون». هو يقول إنهم بريئون، والإحصاءات الأمنية تتحدث عن عصابات وخروقات وراءها سائقو ليموزين من جنسيات مختلفة، منهم المواطنون والعرب والأجانب، والأغرب أن منهم من لا يمكن أن تقود ليموزين، إنها السيدة التي تزعمت عصابة الليموزينات، وسقطت في نهاية أكتوبر الماضي، مع شابين سعوديين وسريلانكي، استخدموا سيارة أجرة في ارتكاب عدة سرقات وجرائم بالإكراه، وسرقة أغنام. «شمس» فتحت ملف وكر الجريمة في سيارات الليموزين، علنا نصل إلى رؤية إما أن تضعنا في خانة الرافضين لركوب الليموزين، أو تجعلنا أكثر يقظة عند استخدام تلك الوسيلة، أو تحيلنا لمن يستحق وصفهم ب«صم بكم عمي فهم لا يعقلون». أرباح ومتاعب على الرغم من أن مهنة قيادة الليموزين من المهن المربحة التي تجعل الفرد يعتمد على نفسه لجني المال الحلال، إلا أن هناك مجموعة جعلت من الليموزين أداة للجرائم والمخالفات. البعض من المتضررين يعتقدون أن عالم الليموزينات، بسيط، ولا يستدعي الضجة المصاحبة، والبعض الآخر يتخوفون إلى الدرجة التي يفضلون فيها ركوب الحافلات، إلا أنهم لا يجيبون عن السؤال المعتاد، ماذا عن العوائل؟ والبعض يرى أن مهنة سائقي الليموزين، باتت مهنة من لا مهنة له. فيما يراها البعض المهنة التي يجب أن تحظى بالاهتمام والمتابعة، حتى لا تجعل الخوف حليف كل من يريد استخدام هذه الوسيلة الحيوية. بداية المخالفات بداية اعتبر المواطن ممدوح محمد أن المواطنين هم من فتحوا باب المخالفات على مصراعيه: «فكثير منهم يكتب ورقة تفويض لأي شخص مقيم ليعمل في الليموزين مقابل أجر يومي متفق عليه، ومعظم من يعمل في تلك المهن من الفئة غير المتعلمة، فتراه فوق مخالفته المرتكبة في حق النظام يرتكب مخالفات مرورية أثناء قيادته المركبة، مثل اقتلاع الشجيرات الصغيرة وركوب الأرصفة، دونما أي نوع من الاكتراث، وأتمنى أن تكون هناك عقوبات مضاعفة كالسجن والغرامات وقطع الكهرباء عن المخالفين». احتياطات ضرورية ويرى عمر أبو جابر أن على أي سيدة تضطر إلى الركوب مع سائقي الليموزين اتخاذ الاحتياطات اللازمة كالاتصال على ذويها وإبلاغهم أنها متجهة إلى المكان الذي ستذهب إليه: «بعض سائقي الليموزين اتخذوا هذه السيارات ستارا لممارسة الأعمال المخلة بالآداب، والدليل أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضبطت مجموعة من سائقي الليموزين يقومون بالقوادة على النساء، وذلك بعد استدراجهن وإغرائهن بالمال عن طريق الليموزين، وإحضارهن حسب الطلب الذي يرد إليه على هاتفه الجوال من الرجال المتعاملين معهم لممارسة الرذيلة والبغاء مع النساء، كما أن بعض سائقي الليموزين يحاولون استدراج النساء اللائي يردن الذهاب إلى مشاوير طويلة، حيث تطول المدة والمسافة ويقوم باتصالاته، حيث يكون معه متسع من الوقت للقيام بجريمته الشنعاء، في حين يحصل على مبلغ مالي على كل امرأة يجلبها، ونحمد الله أن الهيئة والجهات المختصة يقومون بدور كبير في القبض على تلك الفئة المجرمة، حتى باتت تلك الجرائم قليلة بحكم يقظة رجال الأمن وتأهبهم دوما». تهميش الليموزين وتعتقد أم إبراهيم أن الإعلام وراء حالة التهميش لتلك الفئة، والتي تمارس المخالفات من خلال مركبة الليموزين: «سمعت عن تداول مقطع بلوتوث حول مجموعة من الوافدين يحاولون اغتصاب سيدة، والتأكيدات تشير إلى أنهم من سائقي الليموزينات، فأين دور الإعلام في توعية المواطنين والمقيمين من شر هؤلاء؟ صحيح أن عددهم ليس كبيرا ولله الحمد، ولكن على كل سيدة وفتاة أخذ الحيطة عندما تضطر إلى ركوب الليموزين من خلال اصطحاب أبنائها معها، أو من خلال الاتصال بذويها أثناء استقلالها تلك المركبة، وأتمنى أن يتم تزويد كل مركبة بجهاز خاص عبر الأقمار الصناعية ليتتبع المركبات لمعرفة اتجاهاتها، ويكون متصلا بشركات الاتصال؛ حيث تعرف السيدة وجهتها، من خلال تلك البرامج المهمة جدا، كما على الإعلام المرئي والمسموع التكثيف من البرامج التوعوية من خلال تقديم برامج موثقة على الهواء أو مسجلة من شأنها بث المعرفة والتوعية لكثير من المواطنين». مهنة شاقة ويشدد صاحب شركة لتأجير سيارات الليموزين سابقا أبو محمد، على أن مهنة قيادة الليموزين مهنة شاقة: «فالسائقون يتعرضون للابتزاز في كثير من الأحياء العشوائية، خصوصا من قبل الوافدين، ويعتبر عملهم شاقا، فبعض المسافات يقطعها السائق في أكثر من ساعة، وتكون أجرتها نحو عشرة ريالات، فكيف له أن يقضي بقية اليوم في النوم والراحة والغداء؟» الأجرة المتعارف عليها في الليموزين هي 160 ريالا إلى 140 في بعض الشركات حسب الاتفاق المدرج بين الطرفين الشركة والسائق، وأضاف أبو محمد على كل سائق إيداع أو تسليم مبلغ متفق عليه للشركة وبقية غلته تكون من نصيبه. وأشار إلى أن الشركات تقوم بعمليات توعية للسائقين، وهناك الكثير من السائقين ممن يرغبون في العمل الجاد ولا يخلو أي عمل في العالم من وجود متقاعسين ومخالفين: «الجميع ينظر لبعض الحوادث التي يتعرض لها بعض الركاب من عدد محدود من السائقين، فيما لا ينظرون لما يتعرض له العدد الأكبر من السائقين من مضايقات، من قبل الشباب، خصوصا في حال إيصالهم للفتيات، أو السيدات، واللائي يفضلن الركوب مع السائقين الأجانب خوفا من السعوديين، على حد قولهم، حيث إنهن يتحدثن بكل أريحية مع بعضهن، في حين يخشين الحديث مع بعضهن أمام السائق السعودي الذي يعرف حديثهن». ويشير أبو محمد إلى أنه بموجب إحصائية غير رسمية فهناك أكثر من 14 ألف سيارة ليموزين بمدينة جدة مما يجعل فرصة العمل بالليموزين سهلة وميسرة، خاصة في ظل ما سنته الدولة من قوانين وأنظمة توفر على المواطن العمل بالليموزين، في إطار تسهيل أبواب الرزق على المواطنين: «معظم من يعمل في مجال الليموزين من ذوي الرواتب الضعيفة، ما يستوجب عليهم العمل بتلك السيارة لجني قوت يومهم، وأندهش ممن يؤجر سيارته على بعض العمالة الوافدة للحصول على مبلغ شهري، ويتحمل مخاطر تلك العمالة في عملية أشبه ما تكون بالمساهمة في الجريمة في حال وقوع تلك السيارة مع أحد العمالة سيئي السلوك». الفقر دافع الجريمة ويؤكد الاختصاصي النفسي منير توفيق أن من دواعي الجريمة من قبل الأفراد قلة الإيمان والفقر والعوز: «ينبغي على مالك السيارات التي تعمل في مجال النقل والأجرة الأخذ في الحسبان تعليم وتوعية هؤلاء الأفراد، وخصوصا القادمين من خارج المملكة، فبعضهم غير متعلم والبعض الآخر لا يدرك حجم المسؤولية مما يجعله يقع في الخطأ بكل سهولة ويسر، ودونما أدنى تفكير في كمية العقاب أو النتائج، على المالك أيضا تعريف العاملين بمبدأ الكسب الحلال، فمحاربة النفس لا تتم إلا عن طريق التحذير من العواقب والترهيب والتذكير بالله عز وجل» .