مع إطلالة عام 2012 أكمل التداول باليورو سنته العاشرة. وعلى رغم تذبذب سعره إزاء الدولار خلال هذه السنوات بين أقل من 85 سنتاً ونحو 160 سنتاً، فقد أضحى عملة الاحتياط العالمية الثانية بلا منازع. وحتى اندلاع أزمة الديون السيادية في اليونان وإرلندا والبرتغال وانتشارها إلى عموم منطقة اليورو، كان مزيد من دول العالم، من بينها دول عربية، يتجه إلى زيادة احتياطاته منه لضمان استقرار مدخراته وتمويل تجارته الخارجية. وبالنسبة لمنطقة اليورو التي تضم 17 دولة بعدد سكان يزيد على 322 مليون نسمة بينها ألمانيا وفرنسا، أنهت العملة الموحدة عصر التداعيات السلبية لتذبذب أسعار العملات الأوروبية الوطنية إزاء بعضها. كما وفرت استقراراً للأسعار وفرصاً أوسع للشركات، لا سيما في الدول التي تعتمد على الصادرات في تنمية اقتصاداتها وفي مقدمها ألمانيا وهولندا والنمسا. غير أن اليورو يمر اليوم بأعتى أزمة تهدد استقراره واستمراره على وقع أزمة الديون السيادية، والأزمة المالية العالمية التي أطلقت شرارتها أزمة الرهن العقاري في الولاياتالمتحدة. وتكمن أبرز أسباب هذه الأزمة في استمرار اختلاف السياسات المالية والاقتصادية لدول منطقة اليورو على رغم اعتمادها عملة موحدة، ما رسّخ التباعد والفروق البنيوية في أداء اقتصاداتها وفي قدراتها التنافسية إزاء بعضها بعضاً. ففي دول اليورو الشمالية مثل ألمانيا وهولندا جرى على سبيل المثال التركيز على تحسين شروط منافسة الشركات في إطار سياسات اقتصادية تعزز التصدير وتحد ارتفاع الاستهلاك، في حين اعتمدت دول اليورو الجنوبية مثل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان سياسات تنشيط الطلب المحلي وتعزيز الاستهلاك بالاعتماد أيضاً على مزيد من الديون الحكومية. وكان من تبعات ذلك تراكم الأخيرة، في وقت استمرت ألمانيا في تحقيق مزيد من الفوائض في ميزانها التجاري. ومع اندلاع الأزمة المالية العالمية تعثرت دول جنوب منطقة اليورو في خدمة ديونها، وزاد حدة المشكلة عدم تمكنها من الحصول على مزيد من القروض بشروط مقبولة للوفاء بالتزاماتها. فتفجرت أزمة ديون زعزعت الثقة بأسواقها وباليورو، ما استدعى تأسيس صندوق إنقاذ أوروبي استطاع بمساعدة صندوق النقد الدولي حتى الآن منع انهيار اقتصاد اليونان كأكثر الدول تأثراً بالأزمة. أما أبرز تبعات الأزمة فتمثل في عودة أقوى الشكوك في قدرة اليورو على الاستمرار حتى الآن. ولم تفلح قمم الاتحاد الأوروبي ودول منطقة اليورو وصناديق الإنقاذ التي خصصتها لدعم الدول التي تعاني من عبء الديون وفي مقدمها اليونان وإرلندا والبرتغال، في تبديد هذه الشكوك حتى الآن. تبدو دول منطقة اليورو حتى الآن متمسكة بعلمتها الموحدة على رغم الشكوك المتزايدة في جدواها بين دول شمال المنطقة وجنوبها، والتي لم تتمكن حكوماتها من الوصول إلى رؤوية مشتركة وحاسمة حول كيفية مواجهة الأزمة. ويعزز هذا التمسك الاعتبارات السياسية على أساس أن اليورو سيساعد على قيام أوروبا موحدة بثقل سياسي واقتصادي أقوى من أي وقت مضى. كما تعززه تأكيدات عدد كبير من خبراء على أن الخروج من منطقة اليورو لا يزال أعلى تكلفة من البقاء فيها. لكن السؤال المطروح، هل يبقى من حل للدول التي تعاني أزمات مالية خانقة مثل اليونان والبرتغال سوى الخروج منه إذا سُدت أبواب الحلول المطروحة للتداول، وإذا فشل تطبيقها في تحقيق فرص نمو متكافئة بين الدول المعنية. ويأتي في مقدم هذه الحلول على المديين المتوسط والطويل، تعديل المعاهدة الأوروبية وتوحيد السياسات المالية في شكل يُلزم حكومات دول منطقة اليورو بضبط موازناتها وديونها المتراكمة وتحقيق معدلات تحت إشراف إدارة مركزية أوروبية مشتركة يريد بعضهم أن يطلق عليها اسم حكومة اقتصادية. أما على المدى القصير فإن نقطة الحسم الأساسية تتمثل في قدرة صندوق الإنقاذ الأوروبي الذي ينبغي أن يزيد رأس ماله إلى 1000 بليون يورو، على احتواء تبعات ديون إيطاليا التي تتمتع بثالث أقوى اقتصاد في منطقة اليورو. فنظراً إلى ثقل هذا الاقتصاد وتشابكاته القوية من اقتصادات دول منطقة اليورو الرئيسة، يرهن الكثير من الاقتصاديين أمثال توماس ماير، كبير خبراء مصرف «دويتشه بنك» الألماني، مستقبل اليورو بمدى نجاح روما في السيطرة على ديونها خلال عام 2012، وإلا فإنه يرى أن منطقة اليورو آيلة إلى التفكك. * كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية – برلين