تتجه الأنظار كل يوم صوب منطقة اليورو التي لا تزال تجتاز مرحلة الاختبار وسط شكوك وتساؤلات عن مدى صلابتها وانسجام اقتصاداتها. ويحاول المسؤولون فيها طمأنة الأسواق ويخشون من انتقال عدوى إرلندا إلى البرتغال وإسبانيا، علماً ان الثانية تزن ضعف اقتصاد الأولى. وتُطرح تساؤلات كبيرة حول حجم شبكة الأمان المالية الأوروبية ومدى قدرتها على الاستجابة إلى حاجات دعم إسبانيا في حال طلبت الأخيرة تدخلها. وفنّد رئيس الآلية الأوروبية للاستقرار المالي كلاوس ريغلينغ التساؤلات التي تحيط بمستقبل اليورو. وقال ان منطقة اليورو ليست مهددة. وذكر في رد على سؤال تعلق بإمكانية تفكك المنطقة النقدية الأوروبية ان «نسبة الخطر صفر» وأن «انهيار اليورو أمر لا يمكن تصوره». لكنه لم يقلل من خطورة الوضع الذي تجتازه منطقة اليورو. وهو يتفق في ذلك مع المستشارة الألمانية انغيلا مركل التي دعت في منتصف الأسبوع إلى ان يتحمل القطاع المصرفي جزءاً من الأعباء التي تتحملها الآلية الأوروبية للاستقرار المالي وأن يساهم في تأمين مواردها. وتواجه حكومات دول منطقة يورو (16 عضواً) انتقادات شديدة في صفوف أسواق المال جراء ارتفاع أزمة العجز العام والديون السيادية إلى مستويات قياسية هددت بإفلاس بعض الدول مثل اليونان التي بلغت في الربيع الماضي حداً لم تستطع فيه الاقتراض من أسواق المال جراء ارتفاع أسعار الفائدة على سنداتها إلى نحو 12 في المئة. وبلغت الأسعار الموازية ثمانية إلى تسعة في المئة في إرلندا قبل إعلان دبلن طلب مساعدة صندوق الاستقرار المالي الأوروبي. وتتجه الأنظار الآن نحو البرتغال وإسبانيا اللتين تعانيان صعوبات متفاوتة. وقال ريغلينغ: «لن تتخلى أي دولة عن اليورو بإرادتها لأن هذا سيكون انتحاراً اقتصادياً للدول الضعيفة وكذلك للدول القوية، وستتراجع قوة أوروبا السياسية الى النصف من دون اليورو». ويعكس كلام ريغلينغ قلق الدول الكبرى في منطقة اليورو، خصوصاً ألمانيا، من عواقب استمرار أزمة الديون السيادية واحتمال انتقال العدوى إلى جزء كبير من المنطقة. واستمر ارتفاع تكلفة تأمين السندات الإرلندية أمس في ظل شكوك السوق في شأن خطة التقشف الإرلندية. ورفعت شركة المقاصة الأوروبية «السياتش كليرنت» حجم الوديعة التي تلزم المتعاملين في السندات الحكومية الإرلندية بإيداعها للمرة الثالثة خلال الشهر الجاري. وهوى اليورو هذا الأسبوع بعدما أثارت مركل قلق الأسواق بقولها ان العملة الموحدة في وضع «خطير في شكل استثنائي». وقال رئيس المصرف المركزي الألماني العضو في مجلس محافظي المصرف المركزي الأوروبي أكسل فيبر إنه مقتنع بأن القادة الأوروبيين سيفعلون ما يقتضيه الأمر لصد ما وصفها ب «الهجمة الانتهازية» على منطقة اليورو. وأشار الى ان صندوق الاستقرار المالي الأوروبي وغيره من صناديق الإنقاذ الأوروبية تملك أموالاً كافية لتغطية احتياجات الاقتراض لدى الدول الأربع المتعثرة مالياً في منطقة اليورو، وهي اليونان وإرلندا والبرتغال وإسبانيا إذا اقتضى الأمر. وانزعجت أسواق العملة والسندات من مقترحات ألمانيا بإجبار حملة السندات على تحمل جزء من تكلفة تخلف دول منطقة اليورو المثقلة بالديون عن التسديد في المستقبل علاوة على اللهجة التحذيرية لتصريحات مركل ورئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي أخيراً حول تداعيات الأزمة على تماسك منطقة اليورو. ويهيئ فان رومبوي أعمال القمة الأوروبية المقبلة في بروكسيل في 16 و17 كانون الأول (ديسمبر) التي تتصدرها اقتراحات بإنشاء آلية استقرار مالي دائمة بدءاً من عام 2013، بعد انتهاء صلاحية الآلية الجارية. وتقود ألمانيا الضغط على القطاع المصرفي من أجل إشراكه في تأمين موارد للصندوق الذي يشكل شبكة الأمان بالنسبة إلى مستقبل العملة الواحدة. ودعت مركل في منتصف الأسبوع الشركاء الأوروبيين إلى التحلي ب «الشجاعة» لفرض حدود على الأسواق المالية من خلال إشراك دائني القطاع الخاص «الذين يكسبون الأموال جراء ارتفاع أسعار الفائدة». وقالت مركل في مجلس النواب الألماني: «ان الذين يكسبون الأموال مع معدلات الفوائد المرتفعة ومع السندات السيادية يجب ان يتحملوا أيضاً الأخطار».