في كل مرة يرحل فيها روائي أو شاعر أو مفكر... يُطرح من جديد السؤال ذاته حول دور التلفزيون، وسبب التفاوت في التركيز على حدث وعدم الاكتراث بآخر. والمناسبة هذه المرة هي رحيل الروائي المصري إبراهيم أصلان، الذي جاء خبر رحيله، قبل أيام، ضمن شريط إخباري؛ مختصر وصامت، يمر أسفل الشاشة ليعلم المشاهد أن صاحب «بحيرة المساء»، مجموعته القصصية الأولى، قد رحل، وسيكون من العبث إنْ انتظر المشاهد المهتم رؤية وسماع المزيد عن هذا الروائي. هذا التجاهل لرموز الفكر والثقافة والأدب ليس جديداً على الفضائيات العربية التي يبلغ عددها أكثر من 600 فضائية، بل إن ذلك يكاد يكون الملمح المشترك الوحيد الذي يجمع بين الفضائيات العربية المتنوعة التي أوردت، مثلاً، خبر فوز لاعب كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسي بالكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم، مرات لا تحصى، مع تقارير مصورة وتعليقات بدت معها وكأن لاعب نادي برشلونة الإسباني سيعيد «الأمجاد العربية الضائعة» في أرض الأندلس، ولم يقتصر هذا الاهتمام على الفضائيات الرياضية التي لا أتابعها بل على شاشات الفضائيات كلها من السياسية وصولاً إلى التنجيم وفنون الطبخ. وثمة أمثلة كثيرة عن أخبار «نافلة» أخرى طغت على خبر رحيل صاحب «عصافير النيل»، والمفارقة أن هذه الفضائيات، التي لم تأبه كثيراً لرحيل أصلان، لطالما عرضت واحداً من أجمل الأفلام السينمائية؛ المقتبسة عن روايته «مالك الحزين»، ونقصد بذلك فيلم «الكيت الكات» للمخرج داود عبد السيد الذي اعتبر أحد أهم الأفلام في تاريخ السينما العربية، مثلما عُدت الرواية من بين أفضل مئة رواية عربية في القرن العشرين، وفقاً لتصنيف النقاد. كان أصلان يسمي نفسه «كاتب كاميرا»، لكن ذلك لم يشفع له أن تهتم كاميرا التلفزة برحيله، فظل كما كان يقول عن نفسه، أيضاً، «مثل طائر يغني في وحشته». والحال أن هذا الروائي الذي لم ينل قسطاً وافياً من التعليم، بل بدأ حياته «ساعي بريد» كان أقرب إلى المزاج الشعبي البسيط، وإلى صخب الواقع اليومي وتفاصيله المألوفة، وهنا تنتفي ذريعة «النخبوية» التي يتحجج بها مسؤولو الفضائيات، عادة، لدى إهمالهم بعض القامات الثقافية، إذ يقولون إن التلفزة، بصفتها وسيلة إعلام جماهيرية، لا تحتمل هذا «التعالي النخبوي». والواقع أن ذلك لا ينطبق على صاحب «خلوة الغلبان» الذي كان ينتصر، دائماً، للهوامش والأطراف على حساب المتن والمركز. ولئن أخفقت التلفزة، مرة أخرى، في تجاهل اسم روائي مجتهد، لكن ذلك لن يلغي اسمه من ذاكرة قراء وجدوا في سرده عالماً غنياً وساحراً يفوق كثيراً حكاية شاشة تنهمك بالحدث الفاقع، وتدع صورة «الكبار» نقية في الوجدان.