خبر مقتضب، يعبر أسفل الشاشة سريعاًً، يقول: «رحل الروائي المصري خيري شلبي عن عمر ناهز الثالثة والسبعين على أثر أزمة قلبية حادة». وسيكون من العبث إنْ حاولتَ البحث في مئات القنوات الفضائية العربية لمعرفة تفاصيل أكثر عن غياب أحد القامات الروائية الشامخة. اختبر المشاهد «المهتم» مثل هذا التجاهل في مناسبات مماثلة سابقة، ليست بعيدة، عند رحيل محمد أركون، مثلاً، أو محمد عابد الجابري أو نصر حامد ابو زيد وسواهم ممن لا تأبه بهم الفضائيات لا في حياتهم ولا في مماتهم. ولا يستطيع المشاهد أن يعفي نفسه من عقد المقارنة مع أخبار أقل شأناً تحظى بتغطية استثنائية من جانب الفضائيات العربية كخبر وفاة المغني الأميركي مايكل جاكسون مثلاً، أو كذلك خبر مقتل المطربة سوزان تميم، وثمة العشرات من الأمثلة التي تكشف عن مزاج فضائي يرحب ب «الغث»، وينبذ «السمين». قبل نحو شهر ظهر خيري شلبي على قناة «اون. تي. في» في حوار مع الإعلامي يسري فودة عبر برنامج «آخر كلام». لم يدر في خلد صاحب «وكالة عطية» أن كلامه، آنئذ، سيكون، فعلياً، «آخر كلام»، وستكون تلك الإطلالة هي الأخيرة له، على قلتها، عبر الشاشة. وكان لافتاً انه قال في حواره ذاك، من جملة ما قال، إن «الإعلام حالياً هو سيد الساحة، وعليه أن يقوم بتوعية الناس وأن يتطور ويقدم ثقافة متميزة». لكن دعوته، ودعوات أخرى كثيرة من هذا القبيل، لن تصل الى مسامع مسؤولي الفضائيات التي تهتم بكل شيء باستثناء «الثقافة المتميزة». وليس أدل على ذلك من وجود قنوات متخصصة في مختلف المجالات من الطبخ الى الرياضة والأبراج وسواها، إلا المجال الثقافي. ثمة من يتذرع أن التلفزيون وسيلة جماهيرية لا تستسيغ، أو لا تحتمل «الثقافة النخبوية». لكن شلبي لم يكن «نخبوياً»، بالمعنى الدقيق للكلمة، بل كان «مثقفاً شعبياً» يعبّر عن ضمير شرائح واسعة من المجتمع المصري والعربي، وكان قبل رحيله يشغل منصب رئيس تحرير سلسلة الأدب الشعبي التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة. علاوة على ذلك فإن شلبي لم يكن بعيداً من التلفزة، أساساً، فعمله المهم «وكالة عطية» تحول الى مسلسل تلفزيوني. وكتب شلبي عدداً من المسلسلات التلفزيونية المأخوذة عن أعمال أدبية له من أشهرها مسلسل «الوتد». وتحوّل بعض قصصه إلى أفلام سينمائية مثل فيلم «سارق الفرح» للمخرج داوود عبد السيد. بهذا المعنى، فإن صاحب «زهرة الخشخاش» و «صهاريح اللؤلؤ» و «صحراء المماليك»، و «بغلة العرش» كان يستحق بعض الوفاء من الفضائيات، لا أن يتحول خبر رحيله الى مجرد جملة عابرة في شريط إخباري عابر.