ترفض الطبيعة الاجتماعية في الغالب فكرة عرض الفتاة نفسها للزواج، رغم عدم وجود مانع شرعي لذلك، بما يكفل مبررا لكثيرات التفكير بإيجابية تجاه ذلك إذا ما استوثقت إحداهن من شاب ترضاه زوجا لها، غير أن السؤال التالي للخطوة هو: هل يقبل الشاب من تتقدم لطلب يده؟ بعضهم موضوعي يؤيد، وآخرون يتحفظون بحسب الطبيعة الاجتماعية. تروي «أ.م» تجربة عاشتها عبر الإنترنت، وانتهت بحسب ما رغبت: «عرفته من خلال منتدى سجلت فيه، وبطريقته الخاصة عرف عنواني ورقم جوالي وكلمني، وكشف عن أنه فلان في المنتدى وبدأنا نتواصل عبر الماسنجر، وبعدما تواصلنا طلب مني الزواج وكان علي أن أقنع الوالدة، وحين أخبرتها رفضت بشدة، فما كان مني إلا أن أخبرت أختي كذبا بأن أمورا حصلت بيننا ولا أستطيع أن أتزوج من غيره، والحمد لله أنه لا يزال يريدني فذهبت أختي وأقنعت الوالدة بالزواج من منطلق السترة، وأخفيت الأمر عن والدي، هو طلق أم أولاده لنرتبط، وتحدثت مع والدته وطلبت منها أن تذهب لأسرتي وتخطبني لأنني اخترت ابنها، ولم أخجل من ذلك، فكل شيء تم بالحلال، ولذلك أنا مع مقولة «أخطب لابنتك، ولا تخطب لابنك». عرضت نفسي وتؤيد سماح شادي، 29 عاما، بشدة عرض الفتاة نفسها على الشاب الذي ترى فيها زوجا صالحا لها: «لقد مررت بهذه التجربة فعلا، فقد أعجبت مرة بأحد الأشخاص، ورأيته مناسبا جدا لي كزوج في كل الأمور، ولأني أحب الصراحة وأكره «اللف والدوران» فقد عبرت له صراحة عن مشاعري تجاهه، ولا أرى أن في هذا ما يؤذي الفتاة في شيء أو يقلل منها، وكان رد فعله أن قال لي «إنه يعتبرني أختا له». ولم تندم سماح في الإقدام على هذه الخطوة، وبثقة شديدة تقول: «أولا هذا الشاب كان مناسبا لي من كل النواحي، ولم أرد أن أخسره بسبب التردد؛ خاصة أن ما أطلبه منه هو الزواج الشرعي، ولم يكن من الإيجابية في شيء أن أظل صامتة دون التعبير عن مشاعري تجاهه، فقد يكون بحاجة إلى من يحمسه ليتقدم في طلب الزواج، أو أن يكون بدأ في التفكير في فتاة أخرى للزواج فأعرف، لم أكن أريد أن يفاجئني خبر زواجه». نموذج خديجة داليا تؤيد فكرة عرض نفسها للزواج من شاب بشدة خاصة إذا كان مناسبا: «ولكن عن طريق الأم أو الأخت أو حتى أخت الشاب الذي أعجبها ولها في السيدة خديجة، رضوان الله عليها، عندما أعجبت بسيد البشر، عليه أفضل الصلاة والسلام، فأرسلت صديقتها للعرض وجس النبض دون خدش لحيائها وحفظا لماء وجهها، وتم لها ما أرادت، فكيف نحن في هذا الزمن؟ وكثيرات يتحفظن في هذا الشأن خوفا من الشعور بالتصغير واحتقار النفس لو أنها التي عرضت نفسها للزواج». لن أجرؤ لا تميل «يمنى – 26 عاما»، لفكرة عرض الفتاة نفسها على الشباب بغرض الزواج لسببين، أولهما متعلق بطبيعتها الشخصية التي تعتمد دائما على رد الفعل، وبالتالي لا تستطيع اتخاذ موقف المبادرة في مثل هذا الموقف، أما السبب الثاني فيتعلق بإيمانها بأن هذه الخطوة تخص الرجل لامتلاكه جرأة المبادرة، على عكس الفتاة التي تخجل من الإقدام على مثل هذا الأمر، لأنه في حال رفض الشاب لها فستعيش وضعا نفسيا صعبا للغاية. وتقول: «مهما بلغ إعجابي بأي إنسان فلن أجرؤ على مفاتحته أو توسيط أحد بيننا من أجل الزواج منه؛ حفاظا على كرامتي، علاوة على أن هذا قلب للأدوار الطبيعية التي خلقنا الله من أجلها، وسيصنع خللا في الطبيعة التي فطرنا الله عليها، ثم إن المجتمع الذي نعيش فيه لا يسمح أبدا بوجود علاقات تسمح بهذا القدر من الجرأة في الحديث بحيث يمكن للفتاة أن تبوح بأمر كهذا، فالعادات والتقاليد تمنع هذا». إساءة فهم ويمنع الخجل «ه. س، 28 عاما»، موظفة، من التعبير لشاب عن رغبتها في الارتباط به، أو أن توسط أحدا بينهما، وتقول: «لا أعرف كيف أتصرف في هذه الأمور، وأخشى حتى لو وسطت أحدا بيننا أن يتحدث عني بشكل يقلل من شأني، وكل ما يمكنني فعله في هذا الموقف هو أن أدعو الله أن يجمع بيننا، ولو كان في هذا الموضوع خير أن يقربنا من بعضنا، علاوة على أن الشاب الذي أعجب به ربما لو أقدمت أنا على التلميح له بالزواج فقد يسيء فهمي، وهذه هي النظرة الغالبة لدى الشباب حول من تعرض نفسها عليهم». احترام وتقدير الشباب موضوع هذا الزواج لهم خياراتهم وآراؤهم حول ذلك، يقول سعد الرشدان، 29 عاما - طالب طب اعزب: «أحترم المرأة كإنسانة، ولا أرى فارقا بينها وبين الرجل في حقها في التعبير عن مشاعرها، ولها كل الحق في التحرك لتحقيق كل أحلامها المشروعة، كما لها الحق بالتالي في التعبير عن رغبتها في الارتباط بمن تراه مناسبا لها». وعن ردة فعله لو حدث معه أن أعربت له فتاة عن رغبتها في الزواج منه: «سأحترم أي فتاة تعبر لي عن مشاعرها الحقيقية، وتكون صريحة معي، فهذا لا يقلل منها أو من شأنها عندي، وبالطبع لو كانت مناسبة فلا يوجد لدي مانع من الارتباط بها في المستقبل». كذلك يرى فتحي السمحان، 33 عاما - مهندس كومبيوتر، أن تعبير الفتاة عن نفسها لا يؤثر أبدا في نظرته لها باحترام وتقدير، ولكنه يتحفظ على الطريقة التي تعبر بها الفتاة عن نفسها: «المهم ألا تكون طريقة الفتاة في التعبير عن رغبتها في الارتباط بشخص معين مبالغا فيها، وتفوق الحد الأدنى من الحياء، فجرأة الفتاة المبالغ فيها تجعل أي رجل يتردد في الارتباط بها، ولو حاولت طلب الخروج معي في مكان غير عام أو لأكثر من مرة سأرفضها وأخبرها بأنه لا يعجبني هذا الصنف من الفتيات». وساطة ودبلوماسية يتناول الدكتور عبدالكريم الشوبكي الاستشاري النفسي شخصية الفتاة التي تعرض نفسها: «بداية يجب أن نتوقف قليلا عند عبارة «الفتاة ترى الشاب مناسبا لها»، لأنه كثيرا ما تعتقد الفتاة أن الرجل الذي تقصده مناسب لها، ويكون لديها اعتقاد راسخ بذلك، في حين أنه غير صحيح، وتكون قد بنت رأيها على قناعات غير حقيقية، وأحيانا تسرع، بسبب معلوماتها غير الكافية عنه». ويضيف: «أنصح الفتاة بأن يكون لديها رصيد كاف من المعلومات عن هذا الشاب الذي تريد الارتباط به، ثم يفضل أن تعرّفه على شخص حكيم، أو كبير في السن ممن لديهم مهارة الفراسة، ولديهم خبرة واسعة في الحياة، واكتشاف معادن الناس، ولو تأكدت أنه الشخص المراد والمناسب لها فعلا فعليها ألا تحادثه مباشرة؛ لأن هذا أحيانا يعطي نتائج سلبية ومؤلمة للفتاة، بل عليها أن توسط شخصا تثق به، ويكون لديه مهارات الدبلوماسية وحسن الحديث، بحيث يبدو كأنه يتحدث من نفسه طواعية وليس بطلب من الفتاة، كي تسير الأمور طبيعية، وعلى الفتاة التي تتخذ طريقة التعبير المباشر أن تتحمل مسؤولية هذا الفعل». أفضل من العنوسة الاختصاصية الاجتماعية كفاح الغنام، تؤكد: «لا مانع أن تخطب الأم لابنتها من منطلق «اخطب لابنتك قبل ابنك» فالبنت متى وجدت شقيق صديقتها أو صديق شقيقها ما ترضاه خلقا ودينا فلا بأس في أن تفاتح شقيقها برغبتها الاقتران بصديقه وكذلك لصديقتها ورغبتها بالزواج من شقيقها». وتضيف: «مازلنا نرى أن بعض الأهل في بعض مناطق السعودية يخطبون لابنتهم بأن يأتي الأب في مجلس ويعجب بشاب لم يسبق له الزواج ويبحث عن زوجة صالحة، فيقول له «يا ابني بشهادة الوجوه الطيبة ابنتي فلانة جاتك»، وأحيانا يتم ذلك لرجل توفيت زوجته أو مطلق، وهذا لا يعد عيبا، وبمنظور علم الاجتماع فإن تخطب لابنتك قبل ابنك أو تخطب الابنة لنفسها أفضل من أن تعنس وتبقى تحت مظلة العوانس». لا تحريم عن مشروعية خطبة الفتاة لنفسها، تقول الدكتورة مريم العيسى أستاذ محاضر في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة تبوك للبنات: «لا بأس في أن تسعى الفتاة لتزويج نفسها بالوسائل المشروعة، مع المحافظة على كرامتها وحيائها، والأصل أن يبدأ الرجل في طلب الزواج، ولكن لا بأس من أن تفعله المرأة متى رأت أن الرجل مناسب لها، ولا حرمة في هذا، بل إن هناك من يسميها سنة السيدة خديجة، وعامة الناس ليسوا جميعا على نفس المثال، فمن يرى أن هذا السلوك يناسبه فهناك من يرفضه، وهذا يتوقف على طبيعة الفتاة، وفى كل الحالات تستطيع الفتاة بأسلوب مهذب أن تلمح للشاب من خلال الاهتمام الزائد به، أو الحديث في الأمور الاجتماعية والحياة الشخصية، ما دام ذلك في حدود اللياقة والأخلاق» .