السياسة الأميركية، داخلية وخارجية، أسيرة للانتخابات الاميركية، فهذه صناعة اميركية قائمة بذاتها، مثل شركات إنتاج السيارات والتكنولوجيا، وكل أربع سنوات هناك انتخاب رئيس، وكل أعضاء مجلس النواب، وثُلث أعضاء مجلس الشيوخ (مع انتخابات محلية من كل نوع في الولايات)، ولا يكاد الفائز بالرئاسة في تشرين الثاني (نوفمبر) يدخل البيت الأبيض في كانون الثاني (يناير) حتى يبدأ العمل استعداداً للانتخابات النصفية بعد سنتين، عندما يختار الاميركيون كل أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ. سأترك السياسة الداخلية الاميركية للاميركيين، وأكتفي بالسياسة الخارجية التي تصيبنا بخيرها (إن وُجد) وشرّها العميم، فالانتخابات المقبلة في الشهر الحادي عشر من هذا العام تعني أن ترتهن السياسة الخارجية لمصالح المرشحين، من الرئيس الى أعضاء الكونغرس، وتعني بالتالي تبعية كاملة لاسرائيل في الشرق الأوسط على حساب مصالح العرب وأميركا نفسها. أعني حرفياً ما أقول وثمة ألف دليل يؤكده، وقد أثبت لوبي اسرائيل أنه أقوى من الرئيس في الكونغرس، وهذا حتماً أكثر ولاء لاسرائيل من الكنيست، فهو يصوت بالإجماع معها كما لا يفعل الكنيست. السياسة الخارجية الاميركية التي تديرها اسرائيل والخونة الاميركيون من محافظين جدد وليكوديين «أنجزت» التالي: - خسارة رئيس تونس كحليف وقيام حركة إسلامية قوية. - خسارة مصر، ففوز الإخوان المسلمين في الانتخابات يعني حكماً رفض الاعتراف بإسرائيل، وحماس فرع منه. - خسروا ليبيا، حيث تحالفت اميركا مع القذافي ضد شعبه، لاسلاميين مسلحين. - سورية لم تكن لهم يوماً وأي تغيير فيها سيأتي بنظام أكثر تشدداً ضد اميركا واسرائيل. - أفغانستان خسروها حتى قبل أن ينسحبوا في نهاية 2014 فكل ما على رجال طالبان أن يفعلوا هو انتظار رحيل اميركا وحلفائها ليعودوا الى الحكم في اليوم التالي. ويبقى العراق أوضح مثال على خطر أن يدير بلد فاشستي صغير السياسة الخارجية لأكبر ديموقراطية في العالم، فالعصابة التي سعت الى الحرب على العراق وزورت أسبابها كانت اسرائيلية قبل أن تكون اميركية، والنتيجة أن العراق لم يصبح حليفاً لأميركا، وإنما سلمته اميركا الى ايران، ولم يصبح ديموقراطياً ونموذجاً تحتذيه دول الشرق الأوسط، وإنما فيه حكم طائفي قمعي يخيف القريب والبعيد. اليوم الأسماء نفسها التي سعت لحرب على العراق تريد حرباً على ايران، وفي حين أستبعد حرباً اميركية لأن باراك اوباما ليس داعية حروب، فإنني ألومه لموقفه من مجرمي الحرب في بلاده، فهو اختار بعد فوزه بالرئاسة سياسة «ننظر الى الأمام بدل أن ننظر الى الوراء» فكان أن شجع فلول المحافظين الجدد ولوبي اسرائيل على طلب حرب، أو حروب جديدة. وقارنوا هذا الموقف مع إصرار ثوار تونس وليبيا ومصر على محاكمة المسؤولين من العهود السابقة. اليوم لم يبق من حلفاء للولايات المتحدة في الشرق الأوسط غير دول الخليج الصغيرة حيث الأسطول الاميركي الخامس وقواعد عسكرية كبيرة وصغيرة، باستثناء السعودية حيث التعاون قصر على شراء السلاح والتدريب عليه. غير أن هذه الدول جميعاً لا تتجاوز علاقتها مع واشنطن مصلحة آنية تذهب بذهاب أسبابها الايرانية، والتهديدات اليومية والأطماع عبر الخليج. عند ذلك لن يبقى للولايات المتحدة في بلادنا غير سفارة هائلة في بغداد توازي حجماً إحدى دويلات الموز، وتضم بين 16 ألف موظف و18 ألفاً بينهم خمسة آلاف من المرتزقة لحمايتها. ماذا ينفع الحجم في بلد تنفرد بحكمه جماعة شيعية متحالفة مع ايران؟ وأريد أن أختتم بإيجابية، فالرئيس باراك اوباما يكره نتانياهو ويحتقره، وسياسته ستتغير جذرياً إذا فاز بولاية ثانية، وأعتقد أن قيام دولة فلسطينية بعد 2013 ممكن إذا بقي اوباما في البيت الأبيض. [email protected]