في عصر التكنولوجيا والمشاريع العملاقة والطرق الحديثة والقطارات والطائرات واتصال العالم ببعضه، لا تزال قرية «أم حاء» 30 كيلومتراً جنوب أبها في عزلة ومعاناة منذ سنين طويلة. وعلى رغم تنفس الأهالي الصعداء بفتح طريق ترابي قبل سنوات، إلا أنه سرعان ما تم تدمير بعض أجزائه البسيطة بسبب الأمطار والسيول، ومن هنا تبدأ «رحلة وادي أم حاء»، التي تستغرق ساعة في المركبة، وتبدأ معها معاناة أهالي القرية، التي تستمر عادة شهوراً عدة قبل إعادة الطريق إلى وضعه السابق. يضطر الأهالي إلى الترجل، فيسيرون على أقدامهم كيلومترات عدة عبر طريق وعر، ويضيع نصف يومهم في الذهاب والعودة إلى قريتهم، من أجل شراء حاجاتهم وحاجات أسرهم ومواشيهم، علماً أن منهم الأرملة والأيتام وكبار السن الذين تمر عليهم الأيام والليالي وهم يفتقرون إلى بعض الحاجات الأساسية، إن لم يتبرع لهم أحد السكان ويوصل إليهم ما يحتاجونه. مل سكان «أم حاء» كتابة الخطابات إلى وزارة النقل وبلدية أبها لفتح الطريق، لكنهم لا يظفرون سوى بالوعود، وإن حدث تفاعل من مسؤول، وئدت الفرحة في مهدها من طريق سائق شيول متسيب أو غير مبال بالوضع الإنساني السيئ الذي يعيشه الأهالي. وعلى رغم استقبال سكان القرية سائق الشيول استقبال رؤساء الدول، لكسب تعاطفه في فتح الطريق، الذي لا يستغرق منه سوى يوم واحد، إلا أنه غادر المكان وترك الشيول لأسابيع عدة، بحجة تعطل المعدة، وهكذا تستمر المعاناة من دون حل جذري من المسؤولين في الجهات الحكومية ذات العلاقة. هذا الإهمال، سواء من الجهات المعنية أو سائق الشيول، أدى بسكان القرية إلى عدم تمني هطول الأمطار، على رغم حاجتهم إليها لسقي مواشيهم، إذ تنقطع الطرق بين القرية وبقية مدن وقرى منطقة أبها، ربما يمتد ذلك إلى بضعة أيام، وفي المقابل لا يستطيع أحد من سكان القرية العودة إليها طوال تلك الأيام. ويشير سعد الربعي، وهو أحد سكان «أم حاء» في سخرية إلى تلك المعاناة الجسيمة، «يبدو أن آخر الحلول لفتح الطريق هو استلطاف السائق بكل الوسائل وتدليله كي يراعي معاناة الأهالي»، متسائلاً: «أين الرقابة على سائقي الشيولات؟ ولماذا أصبحت الوزارة لا تراعي مشكلات المواطنين في فتح طرقهم من دون عناء ومتاعب؟». ويضيف: «الرحلة إلى وادي «أم حاء» عجيبة طويلة تأخذ منا نصف اليوم، فنحن عادة نحمل على ظهورنا الحاجات والمتطلبات ونقطع العديد من الأودية والجبال، حتى نصل إلى المكان الذي نريده، وكأننا في العصر الحجري، وأناشد باسم الأهالي المسؤولين في وزارة النقل العمل سريعاً على إنقاذ الأهالي من تسيب وإهمال القائمين على الطريق، فهذا حقنا والدولة مشكورة لا تتوانى ولا تتقاعس عن خدمة أبنائها». وسبق للسكان تقديم شكاوى عدة، ومع ذلك لم يتغير الوضع، فما إن استبشروا بتفاعل المسؤولين حتى فوجئوا بإهمال السائق وعدم قيامه بمهمته في فتح الطريق، على رغم وعود المدير العام للطرق والنقل في عسير وتعاطفه مع سكان الوادي. «الحياة» حضرت إلى مكتب مدير النقل في عسير علي بن مسفر، برفقة بعض المواطنين من أهالي القرية بعد إلحاحهم في تسجيل موقف، الذي وعدهم أكثر من مرة، على رغم سهولة المشكلة، والتزم حينها مدير النقل بفتح الطريق وتفاعل مع المشكلة، بل طلب أرقام هواتف بعض الأهالي للتواصل معهم شخصياً، إلا أن الوضع بقي كما هو بعد مرور شهر ونصف الشهر على هذا الوعد. «قانوني»: للمشكلة جانب إنساني ينبغي التركيز عليه