كيف يمكن تصنيف الزيارة التي يقوم بها وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو الى طهران، قياساً بالدور الذي لعبته انقرة ولا تزال تطمح الى لعبه في رعاية الثورات العربية؟ داود اوغلو، صاحب نظرية «صفر مشاكل»، التي لم تؤدِّ في واقع الامر سوى الى زيادة مشاكل بلاده مع جيرانها الاقربين، وعلى الاخص منهم العراق وسورية وإيران، يزور العاصمة التي وقفت في الآونة الاخيرة على رأس الفريق المناهض للدور التركي، والذي اعتبرته طهران امتداداً وتنفيذاً لدور الغرب ولمصالحه. ذلك انه يسيطر على طهران شعور بأن «العثمانيين الجدد» يحاولون ان يسلبوا منها طموحها الى رعاية الانظمة التي ينجبها «الربيع العربي». ألم يصف قائد «فيلق القدس» التابع ل «الحرس الثوري» الايراني، هذه الانظمة، في تونس ومصر وليبيا واليمن بأنها «ايرانات جديدة»، متيمناً بما سبق ان بشّر به مرشده علي خامنئي في وقت سابق من ان الثورات العربية هي نسخة متأخرة ثلاثين سنة عن الثورة الايرانية؟ كيف يمكن داود اوغلو ان يتوصل اذاً الى حل لهذا التنافس على زعامة الثورات العربية بين انقرةوطهران وعلى الدور الاقليمي للعاصمتين؟ تنافس بين من يعتبرون الثورات تحديثاً لممارسة الاحزاب الاسلامية العربية، يسير على طريق حزب «العدالة والتنمية» من خلال الالتزام بنهج ديموقراطي تعددي يحترم مبدأ تداول السلطة ويعطي قيمة معنوية لصندوق الاقتراع غير المزوّر؟ وبين آخرين يرون في سقوط الانظمة العربية انتصاراً لنهج الممانعة في وجه «الاستكبار العالمي»؟ ومع ان هذه القناعة الثانية تغفل حقيقة ان الحكومات التي قامت في الاشهر الاخيرة في تونس والقاهرة وطرابلس وصنعاء لم تلتفت سوى الى اصلاح امورها الداخلية، فإن ذلك لم يمنع «محلّلي» الممانعة من الاصرار على رأيهم «السديد» بأن شمس النفوذ الغربي تميل الى الافول في العالم العربي! يقول داود اوغلو انه متخوف من «حرب طائفية باردة» في المنطقة. وهو يعني تحديداً حرباً مذهبية سنّية شيعية. وبناء على اسلوبه المعهود في العمل على «تصفير المشاكل»، يحاول ان يتقاسم مع الايرانيين مهمة اخماد هذه الحرب. هدف نبيل من حيث المبدأ. ولكن لو نظر وزير خارجية تركيا حوله، وهو الذي يتمتع بنظر جيد، لاستطاع ان يرى بوضوح الاسباب التي تقف وراء هذه الحرب القائمة فعلاً (والتي لم تعد باردة مع الأسف)، سواء في العراق، حيث انتظرت «الوحدة الوطنية» المزعومة رحيل الاميركيين لتنفجر دماء في الشوارع، او في لبنان، حيث شارك الاتراك مع القطريين في رعاية اتفاق تم اجهاضه قبل ان يثمر، او في سورية، حيث تخجل ايران من ادانة عمليات القتل اليومية التي يرتكبها النظام، بينما تعلن تركيا، على لسان رئيس حكومتها ووزير خارجيتها، انها بلغت مرحلة اليأس من امكان اي اصلاح للنظام السوري. كل هذا يدفع الى السؤال من جديد عمّا يمكن ان تحققه زيارة داود اوغلو الى طهران. هل ما زال هناك مجال لتقاسم النفوذ بين العاصمتين بعد كل ما جرى؟ ام انها مجرد رسالة بأن تركيا تضيق ذرعاً من التردد العربي حيال الدور الذي تعمل عليه في الازمة السورية، وترى ان التفاهم مع طهران حول مخرج لهذه الازمة قد يكون اجدى وأكثر واقعية من التفاهم مع 22 دولة عربية، لكل منها خياراتها ومصالحها وأهدافها؟