علي البلوي - الاقتصادية السعودية كل المؤشرات تؤكد أن ثمة لقاء وتعاونًا وتفاهمًا استراتيجيًا تركيًا سعوديًا مصريًا سيعزز صناعة الأمن والاستقرار الإقليمي، فالدور التركي المعتدل والقوة الاقتصادية الخليجية، والدور المحوري السعودي والمصري، سيسهمان في إعادة بناء منظومة إقليمية في الأمن والاقتصاد والسياسية، وسيسهمان أيضًا في الحد من التدخل والتلاعب الإيراني والتسويف الإسرائيلي في إهدار فرص السلام والمبادرات المتاحة، في وقت الثورات العربية، التي حررت مصر والتي ستحرر سورية قريبًا لتصبح المنطقة العربية والتركية جسمًا استراتيجيًا تكامليًا، حيث تشهد المعطيات الراهنة بعض المؤشرات التي تؤكد حقيقة قيامه ونهوضه. فأنقرة عضو في حلف الناتو وعضو رئيس فيه، ومن ثَمَّ مسألة نشر وحدة إنذار مبكرة فيها مسألة ليست بالأمر الكبير، لكنها تمنح تركيا بُعدًا إضافيًا في تطور نفوذها وتأثيرها الجيوبولتيكي، خاصة أن حكومة ""العدالة والتنمية"" وافقت مسبقًا على نشر الدرع بشروط قالت إنها أساسية وضرورية ولا يمكن تجاوزها، وتتمثل هذه الشروط، بحسب الاجتماع الأخير الذي ترأسه الرئيس التركي عبد الله جول مع القيادة السياسية والعسكرية، في: أولاً أن تكون منظومة تابعة لحلف الناتو وليست أمريكية، ثانيًا: أن تُدار من قبله وبقرار منه وبمشاركة تركية رئيسة، ثالثًا: أن تكون لمصلحة جميع أعضاء دول حلف الناتو وليس لمصلحة جهة معينة فيه، رابعًا: ألا تتحول تركيا إلى دولة مواجهة وخط تماس كما كانت عليه في الحرب الباردة، في إشارة واضحة لكل من روسياوإيران على وجه التحديد ومن بعدهما سورية على نحو أقل. ما الجديد؟ وما الذي عجل بالموافقة التركية على نشر هذه الدرع؟ ولماذا كل هذا الترحيب من حلف الناتو ووزارة الخارجية الأمريكية؟ ولماذا عَدَّ الأمين العام للناتو أندرس فوغ راسموسن أن موافقة تركيا على استضافة الرادار تعد عنصرًا مهمًا في قدرة الناتو الدفاعية والصاروخية لمواجهة التهديدات الحالية والمقبلة، خاصة بعد انتشار الصواريخ الباليستية، ما يُعَدُّ تهديدًا متناميًا للأراضي والشعوب والقوات الأوروبية؟ اللافت للانتباه تسارع التوترات في المنطقة، وسخونة الأجواء في كل من سورية وبغداد وطهران، وحدوث حراك أمني وسياسي عاجل، وحديث عن تفاهمات ولقاءات أمنية، وتسريبات تؤكد أن طهران رصدت مبالغ كبيرة لإشعال فتيل الأزمة مع تركيا، وهناك اتصالات وترتيبات تمت مع حزب العمال الكردستاني، الذي اعتقلت طهران وبحسب وكالة مهر الإيرانية نائب رئيس الحزب فيه، ما دفع أنقرة إلى إرسال موفد أمني يستطلع هذا الخبر الذي عادت طهران لنفيه، على الرغم من أن مَنْ أعلن هذا الخبر هو رئيس مجلس الأمن القومي في البرلمان الإيراني، ومع ارتفاع حدة الموقف السياسي التركي ناحية نظام بشار الأسد، أرسلت طهران مبعوثًا أمنيًا لأنقرة أبلغتها أن طهران لن تقف مكتوفة الأيدي عما يجري في سورية، وأن أي تدخل تركي سيكون خطًا أحمر، وسيطول الأمر الأمن التركي، وبحسب وسائل الإعلام التركية فإن تركيا رفضت هذه اللغة وطُلِبَ من المبعوث الإيراني مغادرة البلاد. في هذه الأثناء؛ افتعلت طهران التي تزود أنقرة بالغاز المسال، وجود أعطال في أنبوب الغاز وأن إصلاحه يحتاج إلى أسبوعين، وكانت تلك بمنزلة إشارة إيرانية لاستخدام الغاز سلاحًا لمعاقبة أنقرة، ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل تم تفجير أنبوب الغاز ثلاث مرات أدت إلى قطعه عن تركيا لأيام، فقد أكدت وكالة مهر الإيرانية أن ""الانفجار وقع في الأراضي التركية قرب محطة قياس الغاز في منطقة بازركان الحدودية""، مشيرة إلى أن شركة بوتاش التركية ""طلبت من إيران مهلة لإصلاح الأنبوب في غضون ثلاثة أيام، بينما أكد جواد أوجي، مساعد وزير النفط والمدير التنفيذي لشركة الغاز الإيرانية، أن الانفجار وقع الساعة 1:10 فجرًا، وعلى مسافة 60 كيلو مترًا داخل الأراضي التركية قرب محطة قياس الغاز، قرب مركز بازركان الحدودي، وأن الانفجار في الأنبوب هو الثالث من نوعه، وكان قد تعرض قبلها لانفجار بالقرب من مدينة باكو الإيرانيية، حيث وقعت هذه الاتفاقية فترة رئاسة نجم الدين أربكان التي كانت تهدف إلى تعزيز التعاون الاستراتيجي مع إيران، وبمقتضى الاتفاقية الموقعة بين إيران وتركيا في عام 1996، فإن إيران تصدر عشرة مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا إلى تركيا، بمعدل 30 مليون متر مكعب يوميًا لمدة 25 عامًا. بعد صعود حزب العدالة والتنمية ونهجه السياسي الواقعي، اختلف أردوغان مع أربكان اختلافًا كبيرًا، اتهم فيه أربكان أردوغان بأنه ألعوبة أمريكية - إسرائيلية، بينما يؤكد الباحثون أن أردوغان رفض عباءة أربكان الأيديولوجية، واختط طريقًا جديدًا لتركيا قائمًا على الواقعية السياسية في إطار إسلامي مدني، ساعده على الحضور والنفوذ عالميًا وعربيًا وإسلاميًا، فضلاً عن النجاحات السياسية والاقتصادية التي تحققت، وبسبب هذه الواقعية في المنهج السياسي شعرت طهران بأن منافسها العثماني قد عاد، خاصة بعد إعلان وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو عن العثمانية الجديدة. أبقت أنقرة خطوطها مفتوحة مع واشنطن، مثلما التزمت بالمعايير الأوروبية في السياسة الداخلية، لا إقصاء ولا تهميش، واحترام حرية الرأي والتعبير، وقدمت نموذجًا إسلاميًا مدنيًا معتدلاً وجد صدى في الغرب، وأصبح موضع احترام لدى الشارع العربي مدعومًا بقوة الحضور التركي، القائم على تسوية المشكلات، والأمن للجميع، والتدخل الإنساني، والدفاع عن الحقوق الشرعية والدينية، كل ذلك أثار حفيظة طهران التي أضحت تتوجس خيفة من المشروع التركي، وبدأ الشرق الأوسط أمام ثلاثة مشاريع متصادمة، المشروع الإيراني، والمشروع التركي (الإسلامي المدني) والمشروع الأمريكي، غير أن المشروع الإيراني سقط بعد انكشاف أهدافه في المقاومة والممانعة التي تخدم المصالح الإيرانية، وفي تدخلها في الأمن الوطني والقومي للدول العربية، ومحاولتها السيطرة على جانب من المجتمع العربي، وشد أطراف المنطقة على القاعدة الطائفية والمذهبية، ودعم الحركات الإرهابية، بينما على النقيض كان الخطاب السياسي التركي متقدمًا ناحية بناء الشراكة الاستراتيجية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. في وقت سابق، قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بزيارة لبنان، وكانت هذه الزيارة عقب زيارة احتفالية لأحمدي نجاد، واستقبلت أنقرة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بعد أن غضبت طهران من مشعل لموقفه من الثورة السورية، فرفضت استقباله في طهران، وجمدت وأغلقت أبوابها المالية نحوه، ما دفع أنقرة إلى دعوة مشعل إلى إسطنبول، بينما تبحث الدبلوماسية التركية والقطرية عن إمكانية إيجاد مكان مناسب تنتقل إليه حماس من دمشق، حيث تم الاتفاق على انتقال الحركة مؤقتًا إلى عمان مقابل انتقالها إلى غزة بعد خريطة طريق تركية للسلام في المنطقة، وهي خطة تدعمها الإدارة الأمريكية، سيكون بموجبها اعتراف حماس بإسرائيل مقابل اعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية وفقًا لحدود 1967. هذه المعطيات كشفت النقاب عن قوة الحضور السياسي والعسكري التركي، فتركيا عضو مهم في حلف الناتو، وموافقتها كانت ضرورية لتدخل الناتو في ليبيا، ويتوقع أن يكون لها دور مؤثر في الأزمة السورية، هذا الحضور جاء في ظل حالة ضعف سياسية تعيشها تل أبيب، فثمة اعتقاد إسرائيلي بأن الإدارة الأمريكية لم تعد تنظر لإسرائيل كما كانت عليه في السابق، وهذه النظرة تمهد لضغط أمريكي لحسم ملف العملية السلمية، ويدرك الأتراك، الذين هم على اتفاق استراتيجي كبير وتنسيق تام مع الإدارة الأمريكية، أن المرحلة الحالية تحتاج إلى حدوث تغيرات في السياسة الأمريكية في المنطقة، خاصة بعد ثورات الربيع العربي التي ترتبط قياداتها الإسلامية بعلاقات ليست خفية مع أنقرة، والحصار السياسي الذي تعيشه إسرائيل منح الأتراك قدرًا من القوة (لكبح جماح إسرائيل)، وقد يكون ذلك أيضًا بتفاهم مع واشنطن. وبدأت تركيا تنشط في تعزيز علاقاتها العربية، وتمكنت من نسج علاقات تفاهم استراتيجية مع الرياض والقاهرة التي سيزورها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في إطار جولة تشمل إضافة إلى مصر كلاً من تونس وليبيا وغزة، مشكلاً بذلك مثلثًا استراتيجيًا في المنطقة (تركيا السعودية مصر)، على الرغم من أن ثمة جهدًا إيرانيًا يُبذل لإحداث فتور في العلاقات المصرية السعودية والعلاقات المصرية التركية، حيث امتحنت طهران توجهات السياسة المصرية والتركية في موضوع الأزمة البحرينية وتدخل قوات درع الخليج لاستعادة الأمن وتهميش أدوات التدخل الإيراني، بينما كانت تصريحات أردوغان آنذاك تصريحات لها أسبابها المحلية؛ لأن الأزمة اندلعت قبل الانتخابات التركية، كما أن المشاركة العسكرية السعودية في نسر الأناضول، واستقبال قطع بحرية تركية في موانئ سعودية كشف أن العلاقات التركية السعودية علاقات متميزة واستراتيجية، الأمر الذي جعل طهران تنظر بخشية لتداعيات الحدث السوري. اللافت للانتباه أن الحضور التركي أصبح عاملاً مهمًا في حدوث الأمن والاستقرار الإقليمي، في وقت تتهم فيه إيران أنها وراء الفوضى والمشكلات الإقليمية، كما تدرك الدبلوماسية التركية أهمية بناء علاقات استراتيجية مع باكستان وأفغانستان، فإن طهران تنظر للحضور التركي على أنه كماشة لتحديد وضبط الحراك الإيراني الرسمي، وربما الانفتاح على الحراك السياسي الداخلي مستقبلاً، خاصة أن أنقرة كانت تستعد لاستضافة مؤتمر للمعارضة الإيرانية. ضمن هذه المعطيات، فإن الحضور التركي مقبول عربيًا، ويسهم في صناعة الأمن والاستقرار الإقليمي، ويهدف إلى تعزيز أشكال التعاون السياسي والاقتصادي، وبناء شراكة اقتصادية وسياسية من شأنها تحجيم الدور الإيراني والإسرائيلي في المنطقة، وربما يؤدي ذلك إلى تشكيل اتحاد أو تحالف اقتصادي سياسي عربي تركي، كما أن هذه العلاقات تسهم في تعزيز علاقات مجلس التعاون الخليجي ككتلة سياسية واقتصادية مؤثرة ومهمة مع أنقرة ومع حلف الناتو أيضًا لضبط الفوضى في السياسة الإقليمية، حيث من المرشح أن تتطور العلاقات الاقتصادية السعودية التركية خلال السنوات المقبلة لتتجاوز قيمة الاستثمارات السعودية في تركيا 15 مليار دولار، فتركيا وبحسب داوود تنظر للسعودية: ""إن العلاقات بين تركيا والمملكة تُعَدُّ واحدة من أهم الخطوات في علاقاتنا مع العالم العربي؛ لأن السعودية هي أكبر وأعرق دولة سواء في العالم العربي أو منطقة الخليج""، وضمن هذه المعطيات، فإن ترجمة هذه التوجهات لبناء علاقات متعددة ومتنوعة رسمية وغير رسمية (أهلية) أصبحت أمرًا تفرضه حركة المتغيرات في المنطقة وتدفع باتجاه تعزيزه وتحقيقه. والسؤال الذي يُطرح: كيف ننفتح على تركيا، وكيف ينفتح الأتراك على العرب وعلى دول الخليج والمملكة تحديدًا في ظل علاقات مزدهرة جدًا؟