لم تعد نشرات الأخبار تكفي لشرح التطورات، والتعبير عن التغيرات والتحركات في العالم العربي. بدأت الأفلام التسجيلية التي توثق للثورات العربية وبكل ما مهد لها، بالانتشار سواء في التظاهرات السينمائية أم في المحطات التلفزيونية. أفلام تحاول أن تفصَل أكثر وتغطي الحدث على نحو شامل. وعلى رغم أن بعضها لا يعدو كونه تكراراً لكل الصور والأحداث التي بثتها المحطات التلفزيونية، فإن أهميته تكمن في تسجيل الحدث ووضعه ضمن سياقه التاريخي. الفيلم الذي عرضته وأنتجته المحطة الفرنسية - الألمانية «آرتي» (سيعاد الإثنين 3 تشرين الاول (أكتوبر) الثانية والنصف فجراً بتوقيت فرنسا) يندرج ضمن هذا الإطار. سهرة «ثورية» قدمتها تلك المحطة الثقافية، استهلتها بوداع مبارك مع الشريط الوثائقي «وداعاً مبارك» لكاتيا جرجورة وأنهتها بندوة حول تلك الثورات، طرح فيها السؤال الابدي المحيط بكل ثورة: «هل أسيء فهم الثورة»؟ و «هل حرفت معانيها؟». الجواب لن يكون قبل شهور أو سنين مقبلة. أما الفيلم فيركز على توثيق أحداث ما قبل الثورة، إذ وصلت المخرجة إلى مصر ثلاثة أشهر قبلها لتسجيل وقائع التحضير للانتخابات النيابية، ومن ثم العملية الانتخابية التي لم تكن سوى إجراء «شكلي» عادي في نظر السلطات. لكنه «إجراء» حرك النار التي كانت تحت الرماد، فكل العوامل كانت مهيأة كي ينفجر الوضع وكانت مصر بلداً «على حافة الثورة». عادت المخرجة إلى احداث ماضية لتبين أن جدار الخوف بدأ بالسقوط عام 2005 مع ترشح وائل نور للرئاسة، ثم تابعت مع أحداث المحلة عام 2008 وكل ما لحق ذلك من احتجاجات صغيرة مهدت للتغيير الكبير. كانت «الثورة» هنا ولا تنتظر سوى لحظة الإعلان عنها. وجاء ذلك، كما ورد في الفيلم من احداث وشهادات، بعد «خطأ النظام القاتل» في تزييف نتائج الانتخابات الأخيرة، ليخسر كل صدقية مع فوزه غير المفاجئ بنسبة عالية. عرض الشريط صور التزوير والرشوة وشراء الأصوات التي صورت بالكاميرا الخفية وبثت حينها على الانترنت، ولم يختلف معظم ما ورد فيه من مشاهد ومعلومات عما سبق وعرضته الشاشات الصغيرة. لكن الفيلم يكتسب أهميته من أمرين، أولهما «النتيجة»، أي من قيام الثورة التي أعطته معنى جوهرياً ولولا حدوثها كان سيبدو وكأنه مجرد تجميع لنشرات إخبارية متفرقة. وثانيهما توجهه إلى جمهور غربي قد لا يكون على دراية كافية بما أورده من تفاصيل حول الاوضاع في المنطقة. لكن انطباعاً حول مستوى الفيلم خرجت به سينمائية فرنسية قد يزيل الحجة الثانية، إذ قالت: «من حسن حظ صناع الفيلم أن الثورة قامت...»، قبل ان تستدرك قائلة: «ولكن بالطبع، من حسن حظ المصريين أيضاً!»