شهد عام 2011 مجموعة مرتفعة نسبياً من قرارات المقاطعة والحصار النفطي، بدأت أولاً بالنفط الليبي الذي توقفت صادراته مع توسع رقعة الثورة، ومن ثم انخفض الإنتاج من 1.6 مليون برميل يومياً من النفط الخام إلى نحو 300 ألف برميل يومياً مع صادرات لا تكاد تذكر، صاحبه انخفاض كبير في تصدير الغاز الطبيعي الذي كان يذهب إلى إسبانيا وإيطاليا. وبعيد انتهاء الثورة وانتصارها بدأت الدول الغربية تتخلى عن قرارات الحصار الواحدة بعد الأخرى. لكن على رغم ذلك يبقى الإنتاج الليبي دون مستواه قبل الثورة. لكن الدول الغربية فرضت في الوقت ذاته حصاراً على صادرات النفط السورية المحدودة الحجم، بخاصة إلى أسواقها الرئيسة أي الاوروبية. وما إن اتخذ هذا القرار، حتى فُرض قرار مقاطعة جديد بالنسبة لصادرات النفط الإيرانية (نحو 2.5 مليون برميل يومياً لأسواق أوروبا والدول الآسيوية) كردّ فعل على التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية حول توافر معلومات جديدة عن تطوير طهران برنامجاً عسكرياً نووياً. لم تستطع قرارات الحصار السابقة وقف الصادرات النفطية لدولة معينة. لكن، استطاعت خفض حجم التصدير وأدت في الوقت ذاته إلى ضعضعة اقتصاد البلد المحاصر. ويمكن اعتبار قرارات الحصار التي تبناها مجلس الأمن ضد العراق خلال التسعينات من أشد وأقسى أنواع العقوبات. فلقد استطاع هذا الحصار شل صناعة النفط العراقية، ووقف التصدير تقريباً، وتخريب المجتمع والاقتصاد العراقيين. تختلف قرارات الحصار الحالية عنها في السابق، فهي محدودة في الزمن، ومرتبطة بتطورات الثورة الليبية والسورية. لكن الأهم من ذلك، تبنيها من قبل بعض الدول الغربية وليس مجلس الأمن، بسبب الفيتو الروسي والصيني، ما يسمح، بخاصة لسورية، التصدير لدول آسيوية أو أفريقية. إلا أن التحول بسرعة من سوق تصديرية إلى سوق أخرى، خصوصاً في حال تسويق كميات ضئيلة، عملية ليست سهلة، إذ تتطلب مرونة كبيرة في التسويق، وتعاون دول نفطية ذات خبرة، تساعد في «تمرير» النفط المحاصر عبر شبكاتها التسويقية. وهذا لم يحصل بسرعة في حال سورية، التي عانت من قرار «حصاري» آخر، إذ منعت الدول الأوروبية شركاتها العاملة في سورية من الاستمرار في العمل هناك. إضافة إلى ذلك، واجهت سورية مشكلة عدم توافر بنى تحتية تصديرية كافية تستطيع استيعاب النفط المتراكم والمتجه إلى التصدير. أما الحصار الجديد على إيران، فهو جزء من سلسلة حصارات تفرض على صادرات النفط الإيراني خلال 18 سنة، ويختلف عن العقوبات السابقة. فقد منع القرار الجديد التعامل مع البنك المركزي الإيراني، الذي يتوجب أن تتعامل معه أي شركة دولية تستورد النفط والمواد اليتروكيماوية من إيران، أو تصدير مواد صناعية أو استهلاكية إلى إيران. كما منع تصدير الخدمات والمعدات التقنية لصناعة النفط الإيرانية. معنى ذلك، أن ثلاثة أنواع جديدة من الحصار فرضت ضد النفط الإيراني. أولها منع الدفعات المالية لقاء شراء النفط الخام، أو حتى بيع أية بضاعة إلى إيران، لأن هذا يعني التعامل مع البنك المركزي الإيراني. والحقيقة، أن على رغم أن مجلسي الكونغرس الأميركي شرعا قانوناً بهذا الصدد يمنع التعامل مع الشركات الأجنبية التي تتعامل مع «المركزي» الإيراني، فمعروف أن الشركات الأميركية ممنوعة من التعامل مع إيران منذ فترة، إلا أن الرئيس باراك أوباما لم يوقع هذا القرار حتى الآن. والسبب في ذلك، وفق تقارير صحافية أميركية، تخوفه من ردود فعل غير متوقعة، ومن ثم زيادة المضاربات وارتفاع الأسعار في فترة يعاني الاقتصادان الأميركي والأوروبي صعوبات كبيرة. أما بالنسبة للصادرات النفطية (نحو 2.5 مليون برميل يومياً)، فإن غالبيتها الساحقة (نحو الثلثين) تتجه إلى الدول الآسيوية الكبرى، وتتجه البقية (نحو 800000 برميل يومياً) إلى دول أوروبا الجنوبية (إيطاليا واليونان وإسبانيا وفرنسا) التي إما أوقفت استيرادها النفطَ الإيراني، أو هي في صدده. وبالنسبة للدول الآسيوية، تشير التقارير الصحافية إلى ضغوط أميركية لوقف الاستيراد، لكن كوريا الجنوبية (تستورد حالياً نحو 245000 برميل يومياً من النفط الإيراني) لم ترضخ لذلك وأعلنت رسمياً إضافة عدد من المؤسسات الرسمية والمسؤولين الإيرانيين على قائمتها السوداء، لكن لم تذكر شيئاً عن الواردات النفطية والبتروكيماوية. كما أن اليابان (تستورد نحو 8 في المئة من نفطها من إيران، أي نحو 260000 برميل يومياً) فتنأى عن أي خطوة مربكة حالياً في ظل حاجتها للوقود بعد حادث «فوكوشيما». والصين، كما هو معروف، لديها علاقات متينة مع إيران وهي في طريقها إلى التوسع وليس التقلص. يبقى النوع الثالث من الحصار أي منع إيران من استيراد الخدمات والأدوات الفنية لإنتاج النفط الخام. وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن منع الأدوات والخدمات الفنية النفطية سيؤدي إلى انخفاض الإنتاج النفطي الإيراني نحو 890000 برميل يومياً بحلول عام 2016، بحيث سينخفض مجمل الإنتاج النفطي الإيراني عن مستوى 3 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2016 مقارنة بمستوى الإنتاج الحالي البالغ نحو 3.5 مليون برميل يومياً. يستخلص مما ذكرنا أن صادرات إيران النفطية ستنخفض قليلاً، إذ بإمكانها تحويل كميات أكبر إلى أسواقها الآسيوية التقليدية. لكن، على رغم ردود الفعل الغاضبة من طهران التي تدعو إلى اللجوء إلى «اقتصاد الحرب»، من المستبعد جداً أن تلجأ إلى تهديداتها المتكررة بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة البحرية، إذ إن خطوة كهذه لها تبعات على الاقتصاد العالمي برمته، ومن المحتمل جداً أن تؤدي إلى مضاعفات عسكرية هي بغنى عنها. فأولويتها السياسية هي تطوير برنامجها للتسلح النووي، وأي معارك في الخليج قد تقود إلى منشآتها النووية، وهذا آخر ما تريده في هذه المرحلة. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية