كما كان متوقعاً، أعلنت دول الاتحاد الأوربي يوم الإثنين الماضي مقاطعتها لاستيراد النفط الإيراني، بعد إعطاء مهلة لإيران تنتهي مع إطلالة النصف الثاني من العام الحالي. القرار الأوروبي بإعطاء إيران مهلة ستة أشهر للعودة إلى طاولة المفاوضات حول برنامجها النووي جاء مُرضياً لطرفي الخلاف داخل الاتحاد الأوروبي. الطرف الأول الذي تتزعمه بريطانيا، التي تدعو إلى المقاطعة الفورية منذ الهجوم على سفارتها في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، والطرف الآخر الذي تتزعمه إيطاليا وإسبانيا واليونان، وهذه الدول تعارض فرض عقوبات نفطية على إيران، وهذه الدول الثلاث تستورد غالبية النفط الإيراني المصدر لأوروبا، وبالتالي فإن القرار مع المهلة جاء توافقياً بين طرفي الخلاف داخل الاتحاد الذي يضم 27 دولة أوروبية. اقتصادياً، امتصت السوق النفطية قرار المقاطعة بشكل جيد، وأدى القرار إلى زيادة نفط برنت «القياسي» بواقع 94 سنتاً فقط، ليغلق المزيج يوم إعلان المقاطعة عند 110.58 دولار للبرميل. وعلى رغم استباق إيران لقرار المقاطعة بتحذير دول الخليج من زيادة صادراتها لأوروبا، ووصف مندوبها لدى «الأوبك» محمد علي خطيبي قرار أوروبا بالانتحار الجماعي لدولها، وتصعيد الأمر للتهديد بإغلاق مضيق هرمز، إلا أن السوق النفطية لم يصبها رعب التصريحات الإعلامية، واستجابت لقوانين العرض والطلب من دون أية تأثيرات أخرى. ولعل السؤال المهم هو، لماذا لم ترتفع أسعار النفط بشكل كبير جراء إعلان المقاطعة؟ وإجابة السؤال اقتصادياً، يمكن إرجاعها إلى عوامل عدة، أبرزها: أولاً: إن القرار الأوروبي ليس آني التطبيق، بل أعطى مهلة تصل إلى نصف عام لإرضاء طرفي الخلاف داخل الاتحاد، الداعي والممانع للمقاطعة، كما ذكر آنفاً. ثانياً: إنه على رغم كبر حجم الاحتياط النفطي لإيران، التي تأتي ثالثاً بعد السعودية وكندا، (262 بليون الاحتياط السعودي و175 و137.6 بليون برميل لكندا وإيران على التوالي)، إلا أن تصدير إيران من النفط لا يجاوز 2.4 مليون برميل يومياً، وهي نسبة لا يمكن مقارنتها بالسعودية أو روسيا على سبيل المثال. ثالثاً: إن صادرات إيران الموجهة لأوروبا لا تزيد على 780 ألف برميل يومياً، تستورد تركيا منها 200 ألف برميل، وتستورد إيطاليا وإسبانيا واليونان بقية النصف مليون برميل تقريباً. ولأن تركيا من المتوقع ألا تقاطع النفط الإيراني، فإن تأثير مقاطعة أوروبا سيبقى محدوداً في نصف مليون برميل يومياً فقط من إنتاج إيران. وحتى لو فرضنا عدم استجابة إيران للمهلة الأوروبية ودخول المقاطعة حيز التنفيذ الفعلي، فإن النصف مليون برميل من إنتاج إيران اليومي يمكن توجيهها بسهولة نحو الأسواق الآسيوية الأربع الكبرى، وإلى جنوب أفريقيا. رابعاً: إن سوق النفط، وبحسب الإحصاءات لا تعاني حالياً من شح إمدادات، بل إن الفائض في جانب العرض يصل إلى ثلاثة ملايين برميل يومياً. وبالتالي فإنه حتى ولو لم تصدر إيران برميلاً واحداً، فإن التأثير في السوق النفطية يبقى محدوداً جداً. وأخيراً، فإن مقدرة السعودية واستعدادها لرفع إنتاجها الحالي من 9.7 مليون برميل إلى ما يزيد على 12 مليون برميل يومياً، لتعويض أي نقص في جانب العرض العالمي، أعطى السوق تطمينات إضافية لكفاية الإنتاج اليومي للطلب اليومي العالمي على النفط. وختاماً، فإن ما يحدد مدى تأثير المقاطعة فعلياً هو استجابة دول آسيا الأربع، إضافة إلى جنوب أفريقيا للضغط الأميركي والأوروبي لمقاطعة النفط الإيراني. فالصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية هي الوجهات الأولى للنفط الإيراني، وتستورد هذه الدول الأربع ما يزيد على 1.5 مليون برميل من النفط الإيراني يومياً، وإذا ما أضفنا إليها جنوب أفريقيا التي تستورد ما يصل إلى 120 ألف برميل يومياً من إيران، فإن 80 في المئة من نفط إيران المصدر يبقى خارج نطاق المقاطعة. كما أن ال 20 في المئة المتبقية يمكن تعويضها بتوجيه مزيد من النفط نحو الدول التي لم تقاطع. وما لم تقاطع هذه الدول الخمس، فإن تأثير المقاطعة في إيران سيكون محدوداً، وإذا ما قاطعت هذه الدول بدورها نفط إيران، فإن التأثير في أسعار النفط عالمياً لن يجاوز في أحسن حالاته أعلى مستوى بلغه عند 127 دولاراً للبرميل، حينما توقف تصدير النفط الليبي كلياً عن السوق العالمية خلال العام الماضي. * اقتصادي سعودي - بريطانيا www.rubbian.com