... وها هم مجدداً يعودون. وكما في الأسابيع الأخيرة من كل عام، يعودون متسللين وفي شكل تدريجيّ: أولاً في معرض الكتاب في بيروت، عبر كتب سميكة أنيقة تحمل على أغلفتها صوراً لهم التقطت قبل ما يزيد على ربع قرن. ثم يحضرون شخصياً للتوقيع على نسخ من هذه الكتب يشتريها أناس بسطاء لا يزالون يعتقدون حقاًَ أن في صفحات الكتاب سرداً لما سيحدث لهم وللعالم خلال الشهور المقبلة! وبعد ذلك يحلّ دور الشاشات الصغيرة التي تبدأ في استقبالهم ليواصلوا المهمة التي كانوا بدأوها في فصول الكتب، أي الضحك على عقول الناس زاعمين معرفة الغيب...ومن الآن فصاعداً واضح أن حضورهم التلفزيوني سيتكاثر، فالأيام عسيرة وفي العسر يفقد الإنسان كلّ منطق وتخلو الساحة لكلّ ما هو خرافيّ وتخريفيّ...والساحة هنا هي الشاشة الصغيرة طبعاً. أما فرسانها فهم هؤلاء المنجمون الذين سيجدون دائماً من يصدقهم، فنحن نعيش أزماناً بائسة ذهب العقل فيها إلى إجازة طويلة. ومع هذا كلّه ماذا لو سأل الناس المنجمين (يعتبرون انفسهم «علماء» ويزعم بعضهم انه درس هذا «العلم» في معاهد أوروبية!) عن نبوءاتهم للعام الفائت؟ ماذا لو لفت واحد «ثقيل الظلّ» كيف أن أياً من هؤلاء الذين «يكذبون ولو صدقوا»، لم يورد في كتبه أية إشارة بين نبوءاته التي لا تنتهي إلى أيّ من الأحداث الكبيرة ( من ربيع عربي وما شابهه) التي ملأت العام الذي ينتهي سواء كان ذلك في لبنان أو في البلدان العربية الأخرى؟ كيف حدث أن ألوف الصفحات التي كتبوها وطبعوها ثم باعوها بالملايين للسذّج من عباد الله الصالحين، وساعات الثرثرة التي اقتنصوها على الشاشات الصغيرة فاجتذبت كثيرين من الناس، كيف أن هذا كلّه لم يتوقع أياً من الأحداث التي حصلت فعلاً وفاجأت الناس جميعاً؟ طبعاً، في استضافتهم - البريئة أو غير البريئة - على الشاشات الصغيرة، حين يسألون عن ذلك سيستنبط هؤلاء المنجمون من بائعي الكلام والأحلام، ألف تبرير وتبرير وسيلعبون على الكلام والمعاني إسوة بما فعل واحد منهم قبل سنوات بصدد نبوءة «النفق» الشهيرة...، ولكن في خضمّ ذلك لا شك في أنه سيكون من بين المتفرجين من تخامره رغبة عارمة في أن يسأل القوم: ترى متى ستتمكنون من التنبؤ باليوم الذي ستعود فيه إلى الناس عقولهم ويصرخون بصوت واحد : الشعب يريد إسكات المنجّمين!