منذ زمن بعيد لم يبد على الصديق الحلاق العجوز ذلك الغضب الذي لاح عليه أمس. والاغرب من ذلك هو ان غضبه لم يكن هذه المرة سياسياً. لم تعد السياسة تهمّه كثيراً لأنها حسب تعبيره صارت مملة ولا سيما على الشاشات حيث باتت مجرد تبرير وضحك على الذقون. ولما كان صاحبنا واثقاً من ان أكاذيب السياسة لم تعد تنطلي على أحد، راح يرى ان الأخطر منها بكثير هو تلك العودة غير الحميدة، حسب تعبيره، لكل اولئك المشعوذين والمنجمين و «النصابين» الذين ما ان اطلت الأيام الأخيرة من العام وبدأت تباشير العام الجديد حتى استعادوا مواقعهم وخطاباتهم وتأكيداتهم على مختلف الشاشات الصغيرة محاولين اقناع الناس «بأن الخالق سبحانه وتعالى» قد اعطاهم شيئاً من علمه وفتح عليهم، بحيث يعرفون كما يزعمون ما الذي سوف يحدث للكون وللعباد في العام المقبل و «العياذ بالله» قال صاحبنا مستنكراً. طبعاً نعرف ان صاحبنا ليس الوحيد الذي يثير هذا كله غضبه واشمئزازه. غير ان ما يجعل موقفه مميزاً في هذا المجال هو ان أياً من هؤلاء الناس لم يستجب للتحدي الذي كان اطلقه في وجوههم قبل عام حين سألهم لتأكيد ولو جزء يسير من صدقية مفقودة تماماً، ان يظهروا على الشاشات الصغيرة التي تروج لهم - «وغالباً لأسباب اعلانية» في رأيه - ليحدثونا بكل جرأة عما تحقق وعما لم يتحقق من كل تلك «الخزعبلات» التي تفوهوا بها قبل عام من الآن وشغلت الشاشات وأهل الشاشات. والحقيقة ان صديقنا الحلاق يقول الآن بكل وضوح انه قام طوال العام برصد الأحداث ومقارنتها بتوقعات اكثر من دزينتين من هؤلاء السيدات والسادة ليجد ان لا علاقة حقيقية بين ما حدث وما قالوا انه سوف يحدث و «ليفقأوا عيني من على الشاشات البائسة التي تروج لهم بتوقع واحد حدث فعلاً...» اضاف صاحبنا مشمئزاً: «على اية حال لما لا يتوقعون لأنفسهم مثلاً معرفة مسبقة بالارقام التي تربح في اللوتو او في اليانصيب فيحققون ثروة تغنيهم عن تلك «البهدلة» التي تجابههمً في نهاية كل عام، حين يحلو لبعض الفضوليين من امثالي ان يتساءلوا قبل الاطلاع على توقعات العام الجديد، ان يعرفوا مصير التوقعات القديمة. ام ان اعتمادهم كله هو دائماً على طيبة قلب المتفرجين وكرم اخلاقهم و ان من طبع الإنسان النسيان؟». وإذ قال صاحبنا هذا غاب في ما يشبه صمتاً لعله كان في حقيقته تمتمة بشتائم لهذه الأزمان التي يغيّب فيها العقل ويصبح المشعوذون سادة الموقف ونجومه و ضيوف شاشاته ومؤلفي كتبه!