في هذه الصفحة، نبحر أسبوعيًا مع كاتبنا الرشيق، نجيب الزامل، مستدعيًا يومياته، التي يلخصها لقراء (اليوم) في سبع تجارب ذهنية وفكرية، يثري بها الأفق السياسي والفلسفي والتاريخي والجغرافي والثقافي. إنها تجربة يتحمّلها الزامل وربما نتحمّلها نحن بإسقاطاتها، وتداعياتها وخلفياتها، حتى لا يكون في العقل «شيءٌ من حتى». اليومُ الأول: سارة وهاجر مرت هاجر أمام سارة في سرعةِ وخفةِ ورشاقةِ الشباب، ثم تداعتْ الذكرياتُ.. هذه الصبية المصرية هاجر الوضيئة الملامح، الباسمة الثغر، المنطلقة الحركة هي الأثرُ الحي الذي طالما حمل سارة وزوجها خليل الرحمن ابراهيم على استدعاء ذكرياتٍ جميلة لهما في مصر الحبيبة، جنة الله على أرضه، حيث لجآ إليها فراراً من جدب وقسوة الصحراء، ولقيا بمصر كل إعزازٍ وتكريم. شاء اللهُ أن يعود المهاجران الكريمان ابراهيم عليه السلام وزوجته سارة من حيث أتيا، ويتركا مصر، فودعهما الملكُ الهكسوسي (وفي تلك الأزمان كان الهكسوس قد اغتصبوا مصر) وأغدق عليهما عطاياه، ومن ضمنها كانت الفتاة «هاجر» ، هذه الفتاة الهدية التي وضع الله لها التسبب في تغيير التاريخ. صحبت هاجر أسرتها الجديدة وملأت بيتهما مرحا وضحكا، وأحيت سكونَ حياتِهما فلا ولد لهما، ثم أنها آمنت بدين ابراهيم، آمنت هاجر بالوحدانية المنزهة عن الضلالات والشرك وشهدت بأن لا إله إلا الله وحده. كنا نقول ان هاجر في ذاك اليوم مرت أمام سارة تخطر بخفة غزال جبلي، وراحت سارة ترقب الصبية المصرية وقد ضمرت في قلبها أمرا.. أمرٌ سيغير كامل حياتها مع زوجها ابراهيم. واستسلمت سارة للَمَاعة الفكرة وهي تنظر بتركيز للفتاة المرحة تتقافز في أرجاء البيت، إنها امرأةٌ عاقر لا تلد وتعرف أن ابراهيم محتاج للأبوة بل هي أيضا محتاجة للأمومة، وبما أن لا أمل لها في ولد، فلم لا توفر لزوجها نعمة الولد؟ ارتاحت سارة للفكرة وأسرعت لإبراهيم عليه السلام تسر إليه بأمنيتها، بل بأعز أمانيها.. أن يتزوج هاجر! لم يفكر ابراهيم بهذا ابدا ولا نظر لهاجر نظرة الرجل إلى زوجة مرتقبة، ولكن تحت إلحاح سارة امرأته الغالية وتوسلاتها.. رضي ابراهيمُ الخليل أن يتزوج الصبية المصرية، هدية ملك مصر الهكسوسي هاجر. ودعا ربه أن يحقق له ولزوجته سارة الابن المرجو، من هاجر. وبالفعل حملت هاجر من ابراهيم الخليل، وبعد شهور ولد بِكْر أولاد ابراهيم.. ولد اسماعيل، فبدأت حياةٌ جديدةٌ ومشاعرٌ جديدةٌ في البيت الإبراهيمي.. وكان ينتظر الأبَ والابن حدثٌ عظيم من السماء .. على أنكم تعرفون بقية القصة. اليوم الثاني: صديقان التقيا .. ثم فرقتهما الحياة تعرفون «جبران خليل جبران» جيدا، واليوم سنقدم جبران في فترة من حياته عليها غبش كثير، هي الفترة الباريسية، وهي فترة لم يتعرض لها الكثيرون. إنها الفترة التي قضاها في باريس بين العامين 1908 و 1919م. ولقد اهتممتُ جدا بسيرة جبران وقرأتُ كتبَه وكتباً كثيرة عنه منها ما كتبته صديقته ومتبنيته الأمريكية «ماري هسكل» التي يعود لها فضل كبير في إظهار نبوغ الشاب اللبناني النحيل الأسمر للمجتمع الفكري الأمريكي، وكتابٌ آخر بدعة بين الكتب كُتبَ بأسلوب تشويق روائي أظنه صادقا عن «جبران» كتبه صديق عمره اللبناني الكبير الآخر «ميخائيل نعَيْمة».. وكشف لنا نعيمة صفات جبران بحلاوتها وعورتها. ولكن لنعد إلى باريس.. قصة صديقين عرفا بعضهما في لبنان واجتمعا في باريس لوهلة وتسكعا معا في الحي اللاتيني بالتحديد، حي البوهيميين والتائهين والشعراء والفنانين والصعاليك ورواد الحانات الأرضية الضيقة المعتمة. ثم افترقا أبدا.. نحن الآن في ربيع 1909م، وباريس فيضانٌ عَرِمٌ من الفنون الجميلة والآداب الرفيعة، والجمال والنور. في غمرة هذه الأجواء الزاهية التقى شابان لبنانيان، ومن قبل كانا زميلي دراسة في مدرسة الحكمة بلبنان. الشاب الأول جبران خليل جبران بعينين سوداوين عميقتين وواسعتين، وجبهة عريضة ينسل منها شعر مشوش، نزق الحركة، متأفف، تواق لنجاح سريع وشهرة أسرع ويرى أن نضجت في رأسه واحاتٌ بِكرٌ من الاكتشافات والكشوفات الصوفية والتضرعات الرومانسية، يتوق لإصلاح الكون، واطلاع العالم على نظرياته ورؤاه وكشوفاته الروحانية.. يتطلع بقلة صبرٍ لنجاح عريض يجعل المالَ يصبّ في جيوبه وهو لم يخف حبه للمال ليحلق بجناحين يعشقان سماء الحرية ولينفق بسخاءٍ وسِعَةٍ.. وكيف شاء. الشاب الثاني هو «يوسف الحويك» في عمر جبران تماما، ظاهرُ الوسامة، غزير الشعر البركاني اللون، والمصفف بلمعان إلى الوراء بعناية، أنيقٌ بشكل ملفت، بريء ومرح في تعامله مع الآخرين، وعلى عكس صاحبه لم يكن يهتم في خراب الكون أو عماره، يعيش لحظته حتى القطرة الأخيرة، وينفق كل ما يحصل عليه من مال، فلم يكن للمال عنده أي قيمةٍ مادام يُسعِد الناسَ حوله. إلا أنه به طبع لازم وهو حبٌ متولع بالنجوم، شغوف باستطلاعها، واستكناه ما وراءها، ويدون ملاحظاته الخاصة عنها لنفسه، لا يهمه في شيء أن عرف الناس عن ما يكتبه أو لم يعرفوه. والصديقان على تفاوت طبعهما، متفقان في الأناقة والعزة بالنفس، يتمرنان معا على الرسم ويدفعان أجرة «الموديل» بالتبادل اقتصادا بالمال، وهمهما الأول الوقوف على تطور الحركة الفنية. على أنهما لم ينزلقا في تيار الثورة الجنونية التي اكتسحت الحي اللاتيني آنذاك كالوجودية والعبثية والإباحية آتية من مختلف القارة الأوروبية، فظلا معتدلين، بل أكثر محافظة على التقليدية.. ماذا صار بعد ذلك وما هي قصة «أولغا» الفتاة الروسية المثقفة الشقراء في المقهى الصغير وتنافس الشابين عليها، فاكمل لكم في نزهة الجمعة القادمة.. طيب؟ اليوم الثالث: كتابٌ علق بالذاكرة كتابٌ قديم قرأته في صباي لما كنا نبحث عن الكتب المستعملة التي تباع في حي النجمة برأس تنورة ويبيعها قاطنو الحي من كبار موظفي أرامكو الأجانب مع حاجيات أخرى بسعر رخيص، والكتاب لا أنساه، كان لشخص اسمه «باهندرا» حسب تعليقاته الكثيرة بالحبر الأخضر، وفي كل تعليق يضع اسمه، فكان الاسم يتردد علي عشرات المرات، ويبدو أن صاحبه هندي أو أمريكي ابتاعه من الهندي، وهذا سبب شغفي في الكتب التي أشتريها مستعملة لأنني أجد العبَقَ الخاص لصاحب الكتاب السابق وتعليقاته وأشياءه الخاصة التي دوّنها بالكتاب بعلاقة أو بدون. المهم أن غلاف الكتاب كان مصوَّراً عليه تمثال «برسيوس» البطل الإغريقي قاتل الوحوش حاملا رأس «ميدوزا» المقطوع، وهي وحش بوجه امرأة جميلة شعرها عبارة عن ثعابين متلوية. هذه الصورة بالذات هي التي فتحت أمام عقلي الصغير أبواب الأساطير الإغريقية وقادتني إلى عالم الإغريق المتخم بحكمائه وفلاسفته. كان عنوان الكتاب «The Autobiography of Benvenuto Cellini مذكرات بينفينوتو سيليني». وهو المعروف بسيليني العظيم الذي عاش في عصر النهضة وأول من كتب مذكراتٍ قال فيها: «على كل الرجال الذين انجزوا عملا مستحقا في حياتهم أن يجلسوا ويدوّنوا تاريخ حياتهم وبأيديهم، ولا يكلونها لأحدٍ أبدا. ولكن عليهم لكي يقوموا بمشروع دقيق وشائك وصعب مثل هذا أن يكونوا قد تعدّوا الأربعين من أعمارهم!» أذكر ما كتبه سيليني، وأذكر أنه قال: «وأني دوَّنتُ كتاب حياتي هذا وقد أنهيت الثامنة والخمسين من عمري». عاش سيليني العظيم جلّ حياته في «فلورنسا» والتي كانت قطب النهضة الأوروبية وحاضرة أوروبا العلمية والمدنية والتجارية والعلمية والفنية الأولى.. كان أبوه موسيقيا متمرسا لم يحظ بشهرة كبيرة، على أن الابن لم يرض لنفسه مهنة أبيه فأصبح صائغ ذهب. والغريب على لَجَّة سيليني وزهوه بنفسه لم يقم إلا بعمل نحتي واحد وهو ذاك التمثال البرونزي لبرسيوس حاملا رأس «ميدوزا».. فقط لا غير. ولكنه سبب شهرته (طبعا هو من سمى نفسه سيليني العظيم) كما قرأت لمؤرخين كبار لعصر النهضة أنه لم يشرح أحد واقع أوروبا بكافة مناطقها من إيطاليا حتى الشمال والجنوب كما فعل بدقة تصويرية مذهلة «سيليني العظيم». وأما أسلوبه ففيه طرافة وأنك على غزارة المعلومات ستجد نفسك تضحك عندما يصف نفسه، وكيف كان يقول متخايلا بنفسه «يا الله، يا حبي لي، سأنفجر إعجابا بنفسي فقد مُنِحتُ العقلَ والجمالَ.. وكل شيء». كتب «سيليني» الكتاب مناقضا ما نصح به في «تحري الدقة والصدق»، فقد كان ميالا للمبالغة بالحوادث، ومغرما حتى الثمالة بنفسه بعظمة وإجلال حتى أنه لما يكتب اسمه لابد أن يسبقه بِ»السيد المحترم سيليني العظيم..» كيفه ! هذا الكتاب الهائل الوصف الخفيف الظل اعتبر من أهم كتب المذكرات في التاريخ، وصفُّوه مع كتاب «اعترافات» لجان جاك روسو، و»مذكرات» صمويل بيبي، بروعة الأسلوب. آنَ لك يا سيليني العظيم أن تعرف كيف كان تأثيرك على عقل صبيٍّ عاش بعدك بقرون في هذه البلاد.. ويعترف لك الآن بفضلك. اليوم الرابع: نوستراداموس، أكبر متنبىء بالتاريخ إنه الفرنسي الغامض والرهيب الذكر الفرنسي الذي دوخ الناس من اربعمائة واثنتي عشرة سنة، حتى يومنا هذا. إنه المتنبئ، وحمل شهادة الدكتوراة بالطب، والمعالج بالأعشاب، والساحر، والعالم الكوني والفلكي ودارس الحضارات وبالذات الإسلامية الأندلسية «ميشيل دي نوستراداموس» كتب كل نبوءاته العظيمة وتحقق منها الكثير من سقوط نابليون وقيام الثورة الفرنسية، واشتعال الحرب الأولى، والحرب الكونية الثانية، وتنبأ أيضا عن حرب عالمية ثالثة، وتنبأ بهتلر بصفة دقيقة، وبستالين الروسي السفاح، وحتى بالهجوم على مبنى توأم التجارة العالمية بنيويورك في الحادي عشر من سبتمبر! أما طريقة تنبؤه فهو يذكرها بأسلوبٍ تنبؤيٍ واضح ويغمم على الصفات والأسماء، ويكتبها على طريقة رباعيات الخيام شعراً من أربع أبيات.. كل رباعية عبارة عن نبوءةٍ من النبوءات. أريدكم أن تتأملوا لأغرب رسالة كتبها أبٌ لابنه يوصيه، والأب هو طبعا نوستراداموس، أقتطف منها بعض الفقرات لطولها - بترجمتي : « بني: بما أن الحكومات، والمذاهب، والأديان، والأحزاب، والأقوام، والشعوب سيوبئون بالمصائب والكوارث والتي سيأتي فيها تغيير كاسح ماسح والذي يختلف تماما عما يتصورونه الآن وهم في قوتهم ونشوتهم وعزة وجودهم، وبأس سطوتهم. الملوك والزعماء ورؤساء الحركات السياسية والاقتصادية والدينية سيواجَهون بكواليس في حياتهم وهم يقظى تفوق أرعب تخيلاتهم، إن كانوا يتخيلون. وسيأتي أقوامٌ بعد قرون سيفهمون وربما سيلعنون نبوءاتي لأنها تحققت.. ولكنهم لا يدركون أن باقي النبوءات لهم بالمرصاد. بني: إن كل نبوءاتي، صادقة ونافذة عبر أحجبة الزمن القادم إلى ما لا نهاية، وإني كتبتها لست لأنني ساحر أو مشعوذ، فقد أثبت للناس هنا في فرنسا وبقية الحكومات نبوءات في يوم بل في ساعة أو ساعتين، ولكن جفل مني الأقوياء، وهرب من أمامي الأتقياء.. وغاص في الأرض خوفا مني الجبناء الأدعياء. إنها روح من القدس يا بني حلّتْ في قلبي، وكشفت أمامي العالم، أقرأه في أبراج السماء، وتقارب الكواكب، وعلامات الأرض، وأسرار السجف والظلمة والنهار من القدس الأعلى، حتى أني أراها بأم عيني. لا أدري لم منحني إياها الإله العظيم؟ إنها حكمة إلهية لا شك فيها على أني لا أدري إن كانت منحة ونعمة أم لعنة ومحق؟ لذا يا بني بعد أن رفعتُ قلمي عن نبوءتي الأخيرة، كان بإمكاني أن اسير في نفق الانكشاف المستقبلي كما يسير كشاف الطريق ضمن علامات حفظها وعرفها ويستدل عليها، ولكني قررت أن أكتمها في أعماق قلبي، وأدفنها، كي لا يهتدي إليها الناس ليس فقط حتى لا يرتاعوا من هول ما سيأتي ويحيق بهم ولكن خوفا أيضا على نفسي من أن يحرقني البشعون الوحوش صغار العقول من مفتشي الكنيسة الكاثوليكية التي تنبأت أنها ستقع وستنتهي أمام دين أتى بعد المسيحية، ولقد فعلتُ حسنا يا بني أني استوليتُ على بعض مراجع «المورو» العظيمة – المورو: مسلمو الأندلس - قبل أن يحرقها الجهال الكنسيون. إني يا ولدي أحمل بذرات المستقبل وأعرف كيف ستنبت كل شجرة وأين في المستقبل وماذا ستثمر ومن سيستظل بها، ومن سيأكل ثمرها ومن سيقطعها ومن سيحرقها. وفي النتيجة الأخيرة يا بني، خذ هذه الهدية مني أو النقمة، خذها من أبيك «مايكل نوستراداموس» والذي يرجو ربه أن تتفهم ما تنبأت به من نبوءات ستهز العالم إلى حينٍ غير معلوم.. وعسى الإله الخالد يمنحك العمر الطويل، والسعادة والازدهار. أبوك- مدينة سالون، الأول من مارس 1555م. اليوم الخامس: من الشعر الأجنبي - أترجمها بتصرف اليوم سيكون اختيارا لرباعيتين من رباعيات نواستراداموس، الأولى هي الرباعية الثانية في كتابه «التنبؤات» وتشرح كيف تأتيه النبوءات وبمعونة من. The wand in the hand is placed in the middle of the tripod's legs. With water he sprinkles both the hem of his garment and his foot. A voice, fear: he trembles in his robe. Divine splendor, the God sets nearby! الصولجانُ في اليد، مثبتٌ على قوائم ثلاث وبالماء رش حواشي لباسه وقدمه صوتٌ، خوفٌ: وارتعش تحت ردائه سناءٌ قدسي.. الربٌّ في الجوار! - أما الرباعية الثانية فهي نبوءة عجيبة تنبأ بها عن الثورة الفرنسية، ضد الملكية الحاكمة، وكانت قد بدأت بأربعة عشر من المتآمرين – وذكرهم نوستراداموس عددا - ووضح أن الثورة كانت من إيحاءات فكر «روسو».. الأعجب، أن «نوستراداموس» مات قبل ولادة «روسو» بمائة وخمسين سنة!! Arrived to late, the act has been done. the wind was against them, letters intercepted on their way. The conspirators were fourteen of a party. By Rousseau shall these enterprises be undertaken. وصلوا متأخرين.. والفعلُ قد حصل وانقضى الريح تعصف في وجوههم، رسائل تعترض طريقهم وكان المتآمرون جمع من اربعة عشر وبأفكار «روسو»، تلك السلطات تساقطت. * وفي الأول والنهاية نقول : كذب المنجمون ولو صدقوا. اليوم السادس: الشنتوية وعدت متابعيني بالتويتر أن أجيب عن سؤال لمروة الغزاوي التي سألت عن ديانات السيخية والشنتوية والكونفوشية والطاوية والزرادشتية أن أجيب بعضها هنا في النزهة. وحيث أجبت عن الديانة السيخية، فسأخصص اليوم عن ديانة الشنتوية : الشنتوية ليست دينا قائما بتعاليم واضحة، وهي معقدة ومتراكبة حتى عند اليابانيين التي تنتشر بها الشنتوية ويتبعها أكثر من مائة وعشرين مليونا من اليابانيين. إنها نوع من الفهم، أو التفاهم مع الكون.. لذا فأحيانا تجد يابانيا يقيم طقوسا شنتوية بطريقته ومسلكه الخاص. على أي حال دعنا نرجع للتاريخ قليلا، وجغرافيا إلى الهند، حيث نشأت البوذية ثم زحفت إلى بورما وأخذت نكهة طقوس بورمية ثم إلى بلاد سيام (تايلاند الآن) وأخذت نكهات متعددة مع مرورها أيضا بفيتنام وكمبوديا ثم كوريا، إلى الصين التي كانت مفعمة بالفلسفة ودارسي الحكمة والنظرة التأملية العملية الصينية الخاصة، وأضاف للبوذية ولوّنها بطابع صيني كونفوشيوس ثم اختلطت مع مفاهيم الطاوية التي تؤمن بحرية العنصر الكوني بالحركة بلا تدخل بشري.. أو فسح المجال له ليعمل. ثم عبرت البحر لليابان التي كانت بها أساطيرها ومعتقداتها وخرجت بشكلين البوذية المتشكلة، ومذهب آخر نبع من البوذية وغير فكرة القوة العليا عند البوذية هي الشنتوية، لذا لا تعجب أن صادقت يابانيا ورأيته يلتزم بعبادتين البوذية والشنتوية، على أن الأغلب اكتفى بالشنتوية (أسهل لهم بما أنهم ناس مشغولين!) ولكن اليابانيين كونوا إلها أو روحا كونية في الديانة الشنتوية وسموها «كامي»، ثم أنهم وبجدية صارمة قدسوا كامي.. ولو تستذكرون فرق «الكاميكاز» الانتحارية في الحرب الثانية وكيف دوخوا أساطيل أمريكا حيث يسقط الطيارون بطائراتهم منتحرين في مداخن السفن المعادية، كانوا يقدمون أرواحهم ل»كالي».. وترجمة «كاميكاز» كامي : الروح المعبودة، كاز : الريح.. أي «ريح كامي». وهي ريح صرصرت بقلوب الأمريكيين حتى أنهوها بقنبلتهم الذرية وقال ماك آرثر بغطرسة : «هزمنا الامبراطور ابن الشمس، وهزمنا كالي». اليوم السابع: لا زلت سرا في ضمير المُنى وحيّا أمينا في بناتِ الخيالْ لا زلت مثل النور، مثل الندى، مثل الشذى، مثل رفيق الظلالْ مثلَ الحفيف الحِلو، مثل الصِّبا، مثل الرُبى، مثل سموقِ الجبالْ مثل ابتسام الوردِ، مثل الرؤَى مثل المنى، مثل غرور الدلالْ ألقاكم بإذن الله بخير في نزهة الجمعة القادمة