أصدرت المحكمة الجزائية في باريس أمس، حكماً بالغ القسوة في حق الرئيس السابق جاك شيراك، قضى بسجنه سنتين مع وقف التنفيذ، وذلك لدوره في قضية الوظائف الوهمية في بلدية باريس عندما كان يتولى رئاستها. ورغم أن القرار يعفي شيراك (79 عاما) من دخول السجن، فإنه يمثل سابقة في فرنسا التي لم تشهد أي إدانة لرئيس سابق، كما يشكل نهاية مهينة وبائسة لرجل تصدر لائحة الشخصيات المفضلة لدى الفرنسيين، وحظي بشعبية واسعة على الساحة الدولية وفي العالم العربي خصوصاً. وبعدما كانت النيابة العامة دعت الى تبرئة شيراك من التهم الموجهة إليه، والتي تعود الى فترة ترؤسه بلدية باريس (1993 - 1995)، قررت هيئة المحكمة إدانته بتهمتي «سوء استخدام الثقة» و»الاستخدام غير المشروع لأموال عامة». واعتبرته الرأس المدبر لعملية استخدام أموال بلدية باريس لدفع رواتب 19 شخصاً من المتفرغين في حزب «الاتحاد من أجل الجمهورية» (الحزب الديغولي الذي أصبح اسمه التجمع من أجل الحركة الشعبية الحاكم) الذي كان يتزعمه. وشكل قرار المحكمة الجزائية نهاية مسار بدأ قبل نحو 13 سنة، من دون ان ينال من شيراك، بسبب الحصانة التي تمتع بها على مدى ولايتيه الرئاسيتين، وحالت دون استدعائه من قبل القضاء الى حين خروجه من الحكم العام 2007 . وتغيّب شيراك عن جلسات المحكمة نتيجة تدهور حاله الصحية وتقدمه في السن، استنادا الى شهادة طبية. وشملت المحاكمة 9 ممن عملوا الى جانب شيراك في بلدية باريس، وبينهم المدير السابق لمكتبه الوزير السابق ميشال روسان الذي بريء من التهم الموجهة إليه، مثل بيار بوييه. وصدرت في حق المتهمين السبعة الآخرين أحكام أقل تشدداً، لم تتجاوز عقوبة السجن لبضعة أشهر مع وقف التنفيذ. وبين هؤلاء جان ديغول، حفيد الرئيس الفرنسي الراحل (شارل ديغول)، والذي عوقب بالسجن 3 أشهر مع وقف التنفيذ، وفرانسوا دوبريه نجل رئيس الحكومة الراحل (ميشال دوبريه وهو من الرموز الديغولية)، والذي حُكِم عليه بالسجن شهرين مع وقف التنفيذ. وتتفاوت التأويلات لهذه الأحكام بين من يرى فيها استهدافاً لرموز الديغولية وبين من يعتبرها عملية تنقية ضرورية للوسط السياسي، بعد الممارسات الشائبة التي حكمت اداءه على مدى عقود. ويرى آخرون أن الإدانات القضائية المتلاحقة لسياسيين وشخصيات بارزة، تبرر الريبة لدى كثيرين تجاه فساد الطبقة السياسية عموماً. وكانت التحقيقات في قضية الوظائف الوهمية تسببت في الأعوام الماضية بمضايقات لبعض المقربين الى شيراك، وبينهم خصوصاً وزير الخارجية الحالي آلان جوبيه الذي عمل معه في بلدية باريس، ودين العام 2004 وصدرت في حقه عقوبة بالسجن 14 شهراً مع وقف التنفيذ، كما منع من الترشح لأي منصب لمدة سنة. ويبدو من خلال التشدد الذي أبدته هيئة المحكمة خصوصاً حيال شيراك، أنها تعمدت إصدار حكم «نموذجي» من وجهة نظرها، يؤكد أن القضاء لا يميز بين من يمثلون أمامه أياً تكن أوضاعهم ومناصبهم، وذلك لإسكات الأصوات التي تُسمَع في فرنسا حول العدالة التي يقال انها تميّز بين المواطنين العاديين، وأصحاب المال والسلطة.