ما هو الرابط بين تصريحات بشار الأسد التي يخلي من خلالها مسؤوليته عن الجرائم الوحشية التي يرتكبها نظامه، وبين بيان مزعوم يخلط «شعبان برمضان»، ينتقد محاكمة خلية الاستراحة، ويتباكى على من قتل وهو يعتدي على رجال الأمن؟ عبثاً حاولت الربط بين الحالتين، إلى أن اهتديت أخيراً إلى أن كليهما مثير للتساؤل، وكلاهما غريبان. أما لماذا؟ فمن اطلع على ذلك البيان وأسلوبه، لأدرك على الفور أنه كتب في مقهى، أو «استراحة» تعاطفاً مع ما يعرف ب «خلية الاستراحة»، عموماً: البيان جاء بتوقيع 59 شخصاً فقط، وهو دليل لا يقبل الشك بأن المسوق لهذا البيان لم يجد أحداً يوقع عليه إما لضعف بنيته أو لركاكة صياغته، أو لضعف حجته، ويقال إن البيان كان يستهدف فقط المحاكمة التي شهدتها جدة أخيراً، لكن لم يتم العثور على من يوقّع، وسعى القائمون عليه لاستجداء «التوقيعات» فخاب مسعاهم، إلى أن فتحت لهم بارقة أمل، فالكاتب والباحث السياسي دائماً جاهز، وما أن سمع عن البيان حتى توجه لهم، وبالفعل كان له ما أراد، وأقحم موضوع القطيف مقابل بضعة توقيعات «ليكتمل النصاب الحقوقي» (بكسر النون). نأتي للمفيد والمتعلق بالمطالب فهم يتحدثون عن محاكمة المطلوبين، واللافت هنا أن لغة البيان لا تناشد بل تشكك بالقضاء، بل يذهب قياصرة الإصلاح ابعد من ذلك عندما يطالبون ب«إيقاف الأحكام و إطلاق سراح جميع المعتقلين في تلك القضية». وبل وفي فقرة يقول: إن معتقلي جدة لا يستحقون التعامل معهم بإصدار تلك الأحكام الجائرة» هكذا إذاً، فليذهب كل قاض إلى منزله ولنأت بخبراء البيانات ليحكموا بين الناس طالما لديهم هذه الفراسة وهذه «الحنية». بعد ذلك يقحم البيان موضوع القطيف إقحاماً - لزوم الشمولية -، وليصبح بيانهم «شوربة»، ونفاجأ بترديد أجزاء من خطبة الشيخ حسن الصفار، الذي يستمد حديثه على الدوام من منطق، «كل شيء تمام لولا بعض العذاريب»، ويرى الموقعون أن «مظاهرات المواطنين السلمية في القطيف ومطالبهم المحقة، كانت تحتاج إلى تعامل أكثر حكمة، دون الحاجة إلى استخدام الوسائل القمعية المؤلمة». هنا لا بد من أن نقف قليلاً، فموضوع القطيف ومطالبهم المحقة اخذ ويأخذ مساحة كبيرة من الجدل، لماذا؟ لا نعلم. وهنا سأتناولها من زاوية مختلفة، وأود بداية أن اطرح تساؤلاً بريئاً، ترى هل جميع المواطنين من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الغرب إلى أقصى الشرق يغرفون من الأموال ويأكلون ما لذ وطاب وينامون على فرش من حرير ويمارسون حياتهم اليومية، باستثناء أهالي القطيف؟ بالتأكيد لا. حسناً هل جميع المواطنين يشعرون بالرضا عن أوضاعهم باستثناء مواطني القطيف؟ أيضاً بالتأكيد لا. طالما الإجابة هي «لا» على الدوام، لماذا الاستقرار يعم مناطق المملكة كافة من دون القطيف؟ ولماذا القطيف من بين المناطق كافة هي التي ينبغي لها أن يخرج المغرر بهم من أبنائها في مظاهرات ويثيرون الفوضى ويتهجمون على رجال الأمن، ومن ثم تخرج لنا المطالب والبيانات وتنشيط الدعوة الطائفية؟ سؤال أخير: ترى هل هي عقدة الاضطهاد؟ المساحة لا تستوعب الإجابة على الأسئلة كافة، لذلك سأتركها لكم، لكنني سأختم بالتأكيد، بأن ضعف الحجة وعدم كفاءة الموقعين هي إدانة للبيان ودليلاً على فشل أهداف هؤلاء التي يسعون إليها. وبخلاف ذلك، وطالما بدأنا ببشار الأسد، فهو على الأرجح سيذهب إلى مزبلة التاريخ، فيا تُرى: الموقعون الذين يسعون إلى إيقاظ فتنة إلى أين يذهبون؟ أيضاً أترك لكم الإجابة! [email protected] twitter | @Saud_alrayes