لم تجد أحلام غير عاملتها المنزلية لتترك معها رضيعها مع عودتها إلى عملها بعد إجازة الأمومة، فلا خيار آخر أمامها في وضعها الراهن. لا تستسيغ أحلام فكرة بقاء طفلها الرضيع مع العاملة المنزلية يومياً لمدة تطول إلى تسع ساعات أحياناً، وتوضح قائلة: «لكن ليس لدي خيار آخر، خصوصاً ان دور الحضانة باهظة الكلفة إذ تتراوح أقساطها ما بين 10 و 12 ألف ريال (نحو 3 آلاف دولار) سنوياً». صحة والدة أحلام تمنعها من ترك الطفل لديها خلال دوام العمل، فهي متقدمة في السن وتعاني من أمراض الشيخوخة، «انها بحاجة لمن يرعاها»، تقول أحلام. وتلفت إلى أنها تعيش حالاً من القلق الدائم أثناء فترة عملها على ابنها الذي لم يتم شهره الثالث، ما يدفعها إلى الاتصال بالعاملة بطريقة متكررة للاطمئنان، وتضيف: «لا أشعر بالأمان لوجود طفلي مع العاملة، ومع ذلك فأنا مضطرة لتركه يومياً معها ساعات طويلة». وتتفق معها هدى، الموظفة في احدى شركات القطاع الخاص، وتقول: «أعمل لمساعدة زوجي وتوفير مستلزمات حياة كريمة». وتؤكد ان فكرة بقاء طفليها مع العاملة المنزلية، خلال النهار، يعد الخيار الأمثل والأوفر مادياً بالنسبة اليها، خصوصاً مع ارتفاع كلفة دور حضانة الأطفال لمن هم دون الثالثة من العمر، وعدم وجود أقارب لها في المحيط الذي تعيش فيه، اذ ان أهلها وأهل زوجها يعيشون في مدينة أخرى. وتشير إلى أن من الصعب عليها توفير نحو 20 ألف ريال أقساطاً لدار حضانة تقبل استقبال طفليها، وتوضح: «في قناعتي الداخلية لا أجد أن العاملة المنزلية شخص مستأمن على الأطفال ولكنه الخيار الأمثل بالنسبة الى ظروفي». وتستدرك قائلة: «هذا لا يعني أنني لا احرص على مراقبة العاملة المنزلية لمعرفة مدى اهتمامها بالأطفال، وأحاول القدوم للمنزل في أوقات مختلفة بهدف التأكد من عنايتها ورعايتها لأبنائي أثناء غيابي». وفي الوقت الذي تعتمد فيه كل من أحلام وهدى على العاملات المنزليات كمربيات لأبنائهن في اوقات عملهما، تحرص رحاب على إيداع طفلتها ذات الربيع الواحد في إحدى دور الحضانة المتخصصة برعاية من هم دون الثالثة، وتقول: «قررنا إيداع ابنتي في إحدى الحضانات المتخصصة أثناء فترة دراستي في الجامعة، بخاصة أن الحضانة تعمل بالساعة وهذا يجعلني اطمئن على طفلتي بدلاً من تركها في المنزل مع العاملة المنزلية». ويرى المستشار النفسي والمعالج السلوكي الدكتور هاني الغامدي، أن ترك الاطفال برعاية العاملات المنزليات بات أمراً لافتاً، ويقول: «لعل أخطر ما تواجهه الأسر السعودية، ترك اطفالها في أيدي أشخاص غير مؤهلين لتربية الأبناء والعناية بهم». ويضيف: «الخادمة تكون مدربة على الأعمال المنزلية، والكثير منهن ليس لديهن وعي كافٍ بتحمل مسؤولية طفل أو أكثر»، مشيراً الى أن تربية الخادمة للأطفال تترتب عليها سلبيات عدة «خصوصاً أن غالبية العاملات المنزليات مختلفات تمام الاختلاف في بيئاتهن وطرق حياتهن عن السعوديين». ويؤكد الغامدي ان ترك الأطفال لدى الخادمات لا يحمل سوى ايجابية واحدة وهي مواصلة المرأة لعملها، ويوضح: «على رغم انعدام الايجابيات لهذا القرار المصيري، إلا انه الخيار الوحيد أمام غالبية النساء العاملات في السعودية، وبخاصة أن هناك نقصاً ملحوظاً في المنشآت المتخصصة في رعاية الأطفال دون الثالثة في السعودية». ويلفت إلى أن ارتفاع تكاليف إنشاء مثل هذه المنشآت يساهم في رفع أجورها، ما جعلها تقتصر على أطفال طبقة قادرة على تحمل نفقاتها دون طبقه أخرى تمثل الشريحة الأكبر من أفراد المجتمع، مؤكداً أهمية دعم مثل هذه المشاريع التي يحتاجها المجتمع، لتكون متوافرة ومنتشرة في جميع أرجاء الدولة، وبأسعار رمزية تمكّن الجميع من الاستعانة بها بيُسر وسهولة.