في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر)، حطت طائرة «أنطونوف 124-100» الضخمة في مطار ماندلاي الدولي وسط ميانمار. الشحنة السرية للطائرة أُفرغت ليلاً ونُقلت بعيداً في قافلة عسكرية. غير معلوم على وجه الدقة ماذا حملت الطائرة، لكن مصدراً مطلعاً في ميانمار يشتبه في أن الشحنة احتوت على صواريخ مضادة للطائرات أو رادارات لإدارة الدفاع الجوي التابعة لجيش ميانمار. وتقترح مصادر مطلعة على الشحنة احتمالاً آخر، وهو أنها كانت تحوي مروحيات «مي-24» الروسية المقاتلة، مخصصة للاستخدام العسكري ضد «الكاتشين» وغيرهم من المجموعات العرقية المتمردة في مناطق ميانمار الحدودية المضطربة. وأيّاً تكن حمولة طائرة الشحن الروسية، يبدو أنها مخصصة للاهداف العسكرية، وتشير الى ان ميانمار مازالت تشتري معدات عسكرية متطورة رغم «الهجوم الودي» الذي شنه الرئيس الجديد ثيين سين على الولاياتالمتحدة وأوروبا أخيراً. وجاءت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون هذا الاسبوع في زيارة ديبلوماسية الى ميانمار من دون ظهور أي علامات على تخلي القيادة العسكرية للبلاد عن برنامجها السري لتطوير أسلحة دمار شامل تشمل صواريخ وأبحاثاً نووية، ومازال التقنيون الكوريون الشماليون الذين ساعدوا في الجهود السرية تلك، يقيمون ويعملون في البلاد، وفقاً لمصادر مطلعة على الوضع. وبعد إرغام سفينة كورية شمالية أخرى كانت تبحر الى ميانمار وترفع علم بليز في أيار (مايو) الماضي، على العودة من حيث جاءت من قبل البحرية الأميركية، يجري تسليم المواد المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل الآن براً عبر الصين. الجدير بالاهتمام ان الحوادث هذه جميعها وقعت بعد تولي ثيين سين، الجنرال السابق ورئيس الوزراء في ظل الحكومة العسكرية، زمامَ منصبه كرئيس للحكومة المدنية اسميّاً في آذار (مارس). وينظر بعض المحللين الأمنيين الى بواعث القلق الأميركي من برنامج أسلحة الدمار الشامل، وخصوصاً من الروابط مع كوريا الشمالية، على أنها السبب وراء سعي واشنطن الى تحسين العلاقات مع نظام يتعرض للعقوبات منذ فترة طويلة بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان. وستكون مسائل الديموقراطية وحقوق الانسان حُكماً على جدول الاعمال العلني لكلينتون، اضافة الى بنود غير معلنة، عن العلاقات مع كوريا الشمالية مثلاً، أو امتلاك تكنولوجيا متقدمة للصواريخ وبرنامج للطاقة النووية مرتبط بالجيش. وحقيقة الأمر أن اختيار كلينتون زيارة كوريا الجنوبية مباشرة قبل توجهها الى ميانمار، مؤشر واضح على الأهمية التي تعلقها واشنطن على المسألة النووية. ويسود اعتقاد أن كوريا الجنوبية تحتل موقعاً ملائماً للحد من التأثير العسكري لكوريا الشمالية على جيش ميانمار، من خلال التجارة المربحة والاستثمار وغيرها من الحوافز التجارية. وفيما تبقي الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية صارمة ضد النظام، تستثمر كوريا الجنوبية وتتاجر بحرية مع ميانمار. ومازالت المعارضة لأساليب ميانمار العدائية قويةً في واشنطن، ويتطلب أيُّ تقليص للعقوبات الأميركية الحصول على موافقة الكونغرس، ومن غير الواضح ما اذا كانت الموافقة هذه ستُقَرّ في وقت قريب. وكشف عضو مجلس الشيوخ الأميركي ريتشارد لوغار في 25 تشرين الثاني، أن حكومة ميانمار تعتزم تطوير قدراتها النووية العسكرية بمساعدة من كوريا الشمالية، وأن بحرية الولاياتالمتحدة اعترضت عدداً من السفن الكورية الشمالية في طريقها الى ميانمار، للاشتباه في حملها معدات عسكرية متقدمة، وأرغمتها على العودة الى كوريا الشمالية. ومثّل التصريح ما قد يكون اقسى انتقاد أميركي لطموحات ميانمار النووية. وتتبع حكومة ميانمار الإنكار النموذجي، فزاو هتاي مدير مكتب الرئيس ثيين سين، ردَّ على الاتهامات في شأن البرنامج النووي في 17 تشرين الثاني، بتعليق نشر في صحيفة «واشنطن بوست» جاء فيه :»إن الحكومة الجديدة قررت بعد الحادث في محطة فوكوشيما اليابانية الربيع الماضي، عدم المضي في الطريق النووي»، مضيفاً أن كل النشاطات المتعلقة بالبرنامج النووي هي لأغراض البحث المدني. وإذا تذكرنا إنكار كوريا الشمالية المتكرر لبرنامجها النووي بعد ما يسمى «الاتفاق الإطار في جنيف» عام 1994 مع الولاياتالمتحدة، يبدو أن قلة من المراقبين المستقلين مستعدون للقبول بإنكار ميانمار الرسمي، ومازال برنامج ميانمار الصاروخي الرامي الى انتاج صاروخ من طراز «سكود» بالاعتماد على تصميمات كورية شمالية، جارياً. وتبقى اسلحة الدمار الشامل عنصراً مهماً في نظرية ميانمار الدفاعية. * صحافي وكاتب، عن موقع «إيجيا تايمز» الهونغ كونغي 1/12/2011، إعداد حسام عيتاني.