لم تخلُ حياته من المنغصات، ولكن الغلبة دائماً كانت لعزيمته القوية وحرصه على أسرته. يذهب كل صباح إلى عمله في «شركة الكهرباء» وما يقبضه كان معظمه يذهب في علاج أبنائه الخمسة المصابين بالصمم والبكم. كان قنوعاً وصبوراً ومؤمناً بأن وجود أبنائه معه وقدرته على علاجهم نعمة من الله يجب عليه شكرها، ولم يدر في خلده أن المستقبل يخفي له أياماً تحتاج إلى كثير من المكابدة والصبر. فجأة ساءت الأوضاع، إذ أصيب «أبو أحمد» بحادثة تسببت في إعاقته وفصله من عمله، فدخل مرحلة مرّة وحرجة، فوجد نفسه معتمداً على العكاز في المشي، ناهيك عن اليأس الذي تمكن منه بعد أن بات بلا مصدر دخل، وبالتالي عاجزاً عن الاهتمام بأبنائه الخمسة. ويقول أبو أحمد: «لدي خمسة أبناء، ثلاثة منهم مرضى، اثنان بالصمم والبكم، وهما معاذ (12 ربيعاً) وحصة (14 ربيعاً)، أما الثالث واسمه أحمد (16 ربيعاً) فيعاني من انسداد في الأوعية الدموية، ما اضطرنا قبل سنوات عدة إلى علاجه في لندن على نفقة الأمير عبدالعزيز بن فهد، لكن المضاعفات الخطيرة للأدوية التي كان يتناولها أجبرنا على التخلي عنها»، مضيفاً: «أما الاثنان المتبقيان (حصة ومعاذ) فيحتاج كل منهما إلى زراعة قوقعة سمعية، تكلفة كل واحدة منها نحو 85 ألف ريال». ما يؤرق أبو أحمد هو حالة ابنه أحمد، «حالته تستدعي العودة إلى بريطانيا لمواصلة العلاج، لكن وضعي المادي لا يساعدني على ذلك، خصوصاً بعد أن أصبحت بلا دخل ثابت»، لافتاً إلى أن كلفة العلاج باهظة، إذ تصل إلى 75 ألف ريال. ويتابع: «راجعت قسم الشؤون الصحية في وزارة الصحة، ونصحوني هناك بمراجعة مستشفى حكومي، ومع مرور الوقت اتضح عدم جدوى العلاج فيه»، مؤكداً أنه يخاف أن يتطور مرض ابنه ويصعب علاجه مع مرور الزمن. ونتيجة لعدم قدرته على إيجاد مصدر دخل، اضطر أبو أحمد إلى الاقتراض، ومع الوقت تفاقمت الديون، حتى بلغت قرابة 330 ألف ريال، «أعتمد في سد جوع أبنائي بعد الله على ما يصرف لي من الضمان الاجتماعي لكل ابن (850 ريالاً فقط)»، مشيراً إلى أنها لا تكفي، خصوصاً أن معظمها يذهب في تكاليف العلاج. ولا يخفي الوالد المنكسر عتبه الكبير على شركة الكهرباء، «كنت أتوقع منها تعاملاً إنسانياً في المقام الأول، خصوصاً أنني قادر على أداء أي عمل إداري يوكل إلي، ولكنهم فضلوا إجباري على الاستقالة»، موضحاً بأنه كان يؤدي عملاً ميدانياً قبل تعرضه للحادثة. ولا يزال أبو أحمد يكابد الألم، بين إعاقة تتعبه في حياته، وبين أبناء ينتظرون الأمل من والدهم بعد الله، وعلى رغم كل تلك الظروف والمآسي التي يعيشها أبو أحمد وأسرته، بدءاً بأبنائه الذين يقاسون الإعاقة بلا علاج وانتهاء بالديون التي تثقل كاهله إلا أنه لا يكف عن ترديد أن الأمور ميسورة. أما الحالة التي يقاسيها فتبدو سوداوية، لكن روحه المتفائلة، ولسانه الذي يلهج بالشكر والحمد لله توحي بأن عزيمته أقوى من المرض، لذا يؤكد أن أزمته بتوفيق الله ثم تعاون فاعلي الخير لن تدوم طويلاً.