لم تخلُ حياته من المنغصات، ولكن الغلبة دائماً كانت لعزيمته القوية وحرصه على أسرته. يذهب كل صباح إلى عمله، وما يقبضه كان معظمه يذهب إلى علاج أبنائه. كان قنوعاً وصبوراً ومؤمناً بأن وجود أبنائه معه وقدرته على علاجهم نعمة من الله يجب عليه شكرها، ولم يدر في خلده أن المستقبل يخفي له أياماً تحتاج إلى كثير من المكابدة والصبر. فجأة ساءت الأوضاع، إذ أصيب أبومحمد في حادثة تسببت في إعاقته وفصله من عمله، فدخل مرحلة مرّة وحرجة، فوجد نفسه معتمداً على العكاز في المشي، ناهيك عن اليأس الذي تمكّن منه بعد أن بات بلا مصدر دخل، وبالتالي عاجزاً عن الاهتمام بأسرته التي تحتاج إليه في كل شيء. ويقول أبومحمد: «لدي أبناء، ثلاثة منهم مصابون بأمراض مزمنة، صحيح أن علاجهم مستمر بفضل من الله سبحانه وتعالى، إلا أنهم لم يصلوا إلى هذه المرحلة إلا بعد أن تكبدت الكثير من الخسائر المادية في مراجعة المستشفيات، على رغم مساعدة فاعلي الخير، خصوصاً بعض الأمراء». ما يؤرق أبومحمد هو حال ابنه محمد «حاله تستدعي العودة إلى بريطانيا لمواصلة العلاج، لكن وضعي المادي لا يساعدني على ذلك، خصوصاً بعد أن أصبحت بلا دخل ثابت»، لافتاً إلى أن كلفة العلاج باهظة، إذ تصل إلى 75 ألف ريال. ويتابع: «أراجع حالياً مستشفى حكومياً بناء على نصائح البعض، إلا أنه ومع مرور الوقت اتضح عدم جدوى العلاج فيه»، مؤكداً أنه يخاف أن يتطور مرض ابنه ويصعب علاجه مع مرور الزمن. ونتيجة لعدم قدرته على إيجاد مصدر دخل، اضطر أبومحمد إلى الاقتراض، ومع الوقت تفاقمت الديون، حتى بلغت نحو 250 ألف ريال «أعتمد في سد جوع أبنائي بعد الله على ما يصرف لي من الضمان الاجتماعي لكل ابن (850 ريالاً فقط)»، مشيراً إلى أنها لا تكفي، خصوصاً أن معظمها يذهب إلى تكاليف العلاج. ولا يخفي الوالد المنكسر عتبه الكبير على الشركة التي كان يعمل فيها «كنت أتوقع منها تعاملاً إنسانياً في المقام الأول، خصوصاً أنني قادر على أداء أي عمل إداري يوكل إليّ، ولكنهم فضلوا إجباري على الاستقالة»، موضحاً أنه كان يؤدي عملاً ميدانياً قبل تعرضه للحادثة. ولا يزال أبومحمد يكابد الألم، بين إعاقة تتعبه في حياته، وأبناء ينتظرون الأمل من والدهم بعد الله، وعلى رغم كل تلك الظروف والمآسي التي يعيشها أبومحمد وأسرته، بدءاً بأبنائه الذين يقاسون الإعاقة بلا علاج، وانتهاء بالديون التي تثقل كاهله، إلا أنه لا يكف عن ترديد أن الأمور ميسورة. أما الحال التي يقاسيها فتبدو سوداوية، لكن روحه المتفائلة ولسانه الذي يلهج بالشكر والحمد لله يوحيان بأن عزيمته أقوى من المرض، لذا يؤكد أن أزمته بتوفيق الله ثم تعاون فاعلي الخير لن تدوم طويلاً.