بالتوازي مع انتخابات مجلسي الشعب والشورى، تعتبر عودة الحشود الشعبية إلى ميدان التحرير في القاهرة ومطالبتها برحيل المجلس العسكري عن الحكم، رسالة واضحة من شباب «ثورة 25 يناير» يؤكدون فيها تصميمهم على متابعة مسيرة الثورة حتى تحقيق أهدافها الرئيسة في بناء دولة ديموقراطية ترتكز إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. يطالب المحتجون المعتصمون في الميدان بنقل السلطة من المجلس العسكري الذي يمسك بزمام الأمور في مصر بعد إطاحة الرئيس السابق حسني مبارك، إلى «حكومة إنقاذ وطني» تتمتع بصلاحيات كاملة لإدارة شؤون الدولة، تتولى نقل مصر من دولة يحكمها العسكر إلى دولة مدنية ديموقراطية وتعددية. ولم يتمكن الشبان الليبراليون والعلمانيون الذين أطلقوا «ثورة 25 يناير» وتعرضوا إلى قمع القوى الأمنية في احتجاجاتهم المتواصلة التي انتهت بإطاحة مبارك، من استلام الحكم، نتيجة عدم انتظامهم في تشكيلات سياسية قوية، وغياب المشروع الموحد لديهم للدولة الجديدة، وضعف تجربتهم السياسية وقلة خبرتهم التنظيمية، بسبب القيود القاسية التي فرضها النظام السابق على الحياة السياسية في مصر التي حالت دون تمكّن النُخب الوطنية الشابة من ممارسة العمل السياسي بحرية. مارس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية إبان الثورة دوراً حيادياً أكسبه رضا الشباب ومحبتهم، وكان لهذا الموقف أثره الإيجابي في نجاح الثورة وردم الهوة بين الشعب والجيش وتلاقيهما حول كرامة مصر وعزتها. واختلفت الآراء حول أداء المجلس بعد تسلمه الحكم بعد سقوط مبارك، إلا أن معظمها صبّ في توجيه اللوم له لتردده في اتخاذ القرارات الحاسمة التي ترضي شباب الثورة وتؤمّن الاستقرار وتمنع الانزلاق نحو فتنة طائفية. واعتقد شباب الثورة أن المجلس العسكري سيعود، بعد إطاحة مبارك، إلى قواعده السابقة ويسلّم الحكم إلى المدنيين. لكن تمسّكه بالحكم وفرض توجهاته وآرائه على الحكومة التي شكّلها لتسيير أمور الدولة في الفترة الانتقالية، تسبب بفشلها في إدارة شؤون البلاد وتنفيذ أهداف الثورة ومشاريعها في إقامة حكم مدني. لم يثبت المجلس العسكري كفاءة في إدارة البلاد خلال الشهور الماضية، وارتكب «أخطاء وخطايا» تركها تتراكم وتتفاقم، منها: مراوغته في تنفيذ أهداف الثورة، ومماطلته في محاكمة مبارك ونجليه وأركان نظامه والمتسببين بقتل مئات المحتجين السلميين والمتورطين بالاضطرابات الطائفية، وتحكّمه بأعمال الحكومة وقراراتها. ولا تختلف تصرّفات المجلس عن تصرّفات مبارك، إذ غلب عليها التفرد والاستئثار، إضافة إلى مراعاة الإسلاميين وإهمال شباب الثورة، ما حوّل الفترة الانتقالية إلى فترة انتقامية سقط خلالها عشرات القتلى ومئات الجرحى. وتراجع الاقتصاد المصري وتعطّل الإنتاج. استعادت الحشود في ميدان التحرير في القاهرة مشاهد «ميادين التحرير» في مدن مصر إبان «ثورة 25 يناير»، ما دفع البعض إلى إطلاق تسمية «استعادة الثورة» على هذه الاحتجاجات لحشودها الكبيرة ومطالبها المحددة بتنفيذ أهداف الثورة. ولم يقتنع المحتجون بقبول المجلس العسكري استقالة وزارة عصام شرف، وتأليف حكومة «ذات اختصاصات» برئاسة كمال الجنزوري، وهو ضابط متقاعد وأحد رموز النظام السابق، وتعهد الأول بصورة واضحة وقطعية بترك العسكر الحكم وتسليم مقاليد السلطة إلى حكومة ورئيس منتخبين قبل نهاية حزيران (يونيو) 2012. وأدت التطورات الساخنة في مصر إلى اتساع الفجوة بين المجلس العسكري والشعب، ما يستدعي من المجلس العمل الجاد والدؤوب من أجل استعادة ثقة الشعب به، كخطوة مهمة في ترسيخ الوحدة الوطنية بين مكونات المجتمع المصري الطائفية وإعادة الاستقرار إلى البلاد. ولا أعتقد أن مطالبة طنطاوي بإجراء استفتاء حول دور المجلس العسكري تؤدي إلى عودة الأمور إلى وضعها الطبيعي، إذ أنها تقع في خانة المراوغة والتضليل وكسب الوقت وتشتيت الاهتمامات. واستغلت القوى الإسلامية المنظمة من «الأخوان المسلمين» و«السلفيين» نجاح الثورة للانقضاض عليها وتجيير منجزاتها، مستفيدتاً من المتغيرات وتشتت القوى الليبرالية وضعف إمكاناتها المادية، للسيطرة على مجلسي النواب والشورى في الانتخابات، كي تفرض آراءها وأهدافها في الدستور الجديد. واللافت في هذا الشأن دعم الإمام الأكبر للأزهر الشيخ أحمد الطيب مطالب المتظاهرين، في خطوة استثنائية في الحياة السياسية المصرية، ما يكسب المطالب ثقلاً كبيراً.