نحن اليوم في الخامس من عشرة أيام حاسمة لإنقاذ اليورو قالت «الفاينانشال تايمز» الحسنة المعرفة جداً في الأمور المالية إنها بدأت في 29 من الشهر الماضي عندما جلس 17 وزيراً من منطقة اليورو لبحث سبل إنقاذ العملة الموحدة. الجريدة تحدثت أيضاً عن اجتماعات أخرى على أعلى مستوى وتصويت في برلمانات أوروبية ومحادثات ديبلوماسية. وأقول تعليقاً إن إنقاذ اليورو لا يحتاج إلى كل هذا الجهد، إذ يكفي أن أقرر الذهاب في إجازة الأعياد الغربية المقبلة إلى فرنسا ليرتفع سعر اليورو عشية ذهابي وطوال إقامتي هناك. هذه تجربتي مع اليورو في السنوات العشر الأخيرة، ففي كل مرة أستعد للذهاب مع عائلتي إلى جنوبفرنسا في بداية الصيف يرتفع سعر اليورو فجأة مقابل الجنيه الاسترليني أو الدولار، ويظل مرتفعاً حتى أعود إلى لندن. أحاول السخرية لأنني لا أملك غيرها إزاء اليورو، فأنا أسمع أنه يترنح، إلا أن سعره مقابل العملات الصعبة الأخرى لم يهبط، ثم أقرأ أن وزير الخزانة البريطاني جورج أوزبورن حذّر في خطابه التقليدي في الخريف من كل سنة من أن بريطانيا مقبلة على ست سنوات قاسية ستشهد هبوط مستوى الدخل وارتفاع البطالة، مع خفض غير مسبوق للإنفاق الحكومي، وهذا في بلد خارج منطقة اليورو أصلاً. ربما كان القارئ العربي لا يجد في هذه المعلومات ما يخيف، غير أنني قلِق بالولادة، حتى لا أقول «خوّاف»، لذلك لم أستدن في حياتي كلها قرشاً أو تعريفة، وإنما أشتري البيت نقداً أو أسكن في خيمة، والسيارة نقداً أو أمشي. ثم أقرأ أن الدَّين القومي على اليابان 219 في المئة من الناتج السنوي، وأنه 181 في المئة في اليونان، و103.6 في المئة في الولاياتالمتحدة أو 15 تريليون دولار. كيف ينام هؤلاء الناس وهم يرزحون تحت ديون بتريليونات الدولارات، وأنا رفضت أن أوقع أقساطاً شهرية على أول فولكسواغن اشتريتها في بيروت بمبلغ 125 ليرة لبنانية؟ لن «أبيع ميّة في حارة السقايين» وأزعم أنني أعرف عن الأزمة المالية العالمية ما لا تعرفه حكومات وبنوك مركزية وتجارية إلا أنني أزعم أنني قارئ مجتهد، وقد أقمت في الولاياتالمتحدة في الثمانينات عندما انطلقت أزمة جمعيات التوفير والإقراض، ما اعتُبِرَ في حينه أزمة هائلة وهي أصبحت الآن «لعب عيال» بالمقارنة مع الأزمة الحالية. وفي واشنطن أصبحت أقدّم «وول ستريت جورنال» على الصحف الأخرى بعد أزمة الثمانينات، وفي لندن أصبحت أقرأ «الفاينانشال تايمز» قبل «التلغراف» و «التايمز» بعد أزمة 2008. ما أعرف هو أن تفكيك الأنظمة المصرفية في الثمانينات أرسى جذور الأزمة التالية، وأصبحت أقرأ عبارات من نوع أن البنوك تعرف أكثر، أو أن هذا البنك أو ذاك «أكبر من أن يفلس» (قولوا هذا لموظفي ليمان براذرز الآن). ما أعرف أيضاً هو أن بيل كلينتون الذكي جداً تبع رونالد ريغان الممثل والسياسي من الدرجة الثانية، وهو على رغم ذكائه حضّ البنوك على إقراض ذوي الدخل المتوسط والمنخفض فكان ما تعرفون، وبنوكهم أصبحت تُقرِض الراغب 100 في المئة من ثمن الشقة أو البيت، وسمعت عن 110 في المئة، على أساس أن سعر الاستثمار سيزيد وسيغطي القرض في النهاية. طبعاً سعر الاستثمار يزيد إلا أنه ينقص أحياناً، وكل طفرة اقتصادية يتبعها انكماش. ومع ذلك فالطمع أو الجشع الذي أطلقه تحرير القيود المالية في الثمانينات جعل بعض رجال المال، في الغرب مرة ثانية أو ثالثة، يتصرفون وكأن الفورة ستستمر إلى الأبد. ربما كانت ستستمر لولا مجيء جورج بوش الابن، وهو الأكثر حمقاً وجهلاً بين 44 رئيساً أميركياً حتى الآن، ونعرف أنه استدان من الصين ليحارب في أفغانستان والعراق وضد الإرهاب، فكانت إدارته مما يقول أساتذة اللغة العربية، ثالثة الأثافي بعد قرارَيْ إدارتي ريغان وكلينتون اللذين أشرتُ إليهما قبل قليل. ما ذنبي والقارئ أن ندفع ثمن أخطاء الإدارات الأميركية المتعاقبة وتواطؤ وول ستريت والبنوك العالمية معها؟ الجريمة تجمع الخطايا السبع المميتة، وهي الغضب (غضب الذين هتفوا «احتلوا وول ستريت») والطمع (ومصدره واضح) والكسل (في التصدي للتجاوزات) والكبرياء (في عدم الاعتراف بالخطأ) والحسد (والغني يحسد الأغنى منه)، والشهوة والجشع، وهذان الأخيران يحتاجان إلى ذي مال للتنفيذ. الله لا يسامحهم. [email protected]