القمة الاقتصادية عقدت متأخرة يوماً، وكان أفضل لو عقدت في أول نيسان (أبريل) ليقبل العالم القرارات الصادرة عنها على اساس أنها «كذبة نيسان»، وليست حلاً حقيقياً للأزمة المالية العالمية. المشاركون في قمة العشرين مثلوا 90 في المئة من ثروة العالم و80 في المئة من إنتاجه و64 في المئة من سكانه، ولكن إذا أخرجنا الصين والهند من هذه المعادلة نجد أن ثلاثة أرباع ثروة العالم في أيدي عشرة في المئة من سكانه، وتحديداً في أيدي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. أتوقف هنا لأحكي للقراء قصة الفيلم «وول ستريت» الذي وزع سنة 1987 ولعب دور البطولة فيه مايكل دوغلاس وأخرجه أوليفر ستون، فهو كله يمكن أن يلخص بعبارة لبطله الذي يريد المال بأي وسيلة: الجشع، لعدم وجود كلمة أفضل، جيد. الجشع صحيح. الجشع فعّال. الجشع إحدى الخطايا المميتة السبع، ولكن مع فورة البورصة نسي الناس ذلك، وجاءت الأزمة المالية لنمور الشرق الأقصى في 1997 - 1998، كانت ارهاصاً لما نحن فيه اليوم، إلا أن الجشع أعمى العيون، وسرق دعاته بعضهم بعضاً، وضاربوا بمال غير موجود. اليوم رجال المصارف يتساقطون كالذباب، وهم في خوف من ضحاياهم الى درجة أن البنوك نصحت موظفيها عشية قمة العشرين بعدم ارتداء ثياب تقليدية تكشف حقيقة مهنة أصحابها خوفاً من اعتداء المتظاهرين عليهم، خصوصاً بعد الاعتداء على بيت السير فريد غودوين، الرئيس السابق لبنك اسكتلندا الملكي الذي خسر البلايين في الأزمة المالية، وكاد يفلس ويخرب بيت المتعاملين معه لولا تدخل الدولة مرة بعد مرة. لو اكتفينا بالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من بين المشاركين في قمة العشرين نجد أنها في مركز القيادة وهي مسؤولة قبل أي طرف آخر عن انهيار النظام المالي العالمي عبر الجشع اياه، وترك البورصات العالمية والسوق كلها من دون حسيب أو رقيب بعد رفع القيود عنها في الثمانينات. إذا كان من شيء يقال في مصلحة الدول الغربية فهو انها وحدت العالم ضد الجشع مبدأً مقبولاً في ادارة الاقتصاد العالمي، والتظاهرات في لندن ضد القمة الاقتصادية جمعت الكنائس والفوضويين. وكل ما بينهما، ورأينا في مقابل الدول العشرين المشاركة حوالى مئة منظمة مختلفة من جمعيات خيرية ونقابات ومفكرين وبرلمانيين وجماعات معارضة للحرب وأخرى تعارض التسلح النووي وهيئات تدافع عن البيئة، وحملة «ذوبان ج - 20»، و «الناس أولاً». والفوضويون أنفسهم لم يكونوا جماعة واحدة، وإنما جماعات بأهداف مختلفة ومن دول عدة. التظاهرات لقيت تغطية واسعة، وهي بدأت السبت الماضي، وأكتب الخميس ولا تزال في شوارع لندن «بقايا من بقاياه» أو فلول المتظاهرين والمحتجين والغاضبين. ولا أقول عن المستهدفين، خصوصاً الدول الغربية سوى «يستاهلوا»، فهي سبب الأزمة ولا أراها الحل لها. وكان رونالد ريغان، ممثل الدرجة الثانية وسياسي الدرجة الثالثة، قال يوماً (أو قرأ ما كتب له): ان الحكومة ليست الحل للمشكلة. الحكومة هي المشكلة. وتبعه بيل كلينتون وقال ان الحكومة ليست المشكلة وهي ليست الحل. وكنت دائماً حذراً فلا أقترح حلاً، وكيف لصحافي من العالم الثالث ان يطلع بحل عجز عنه أساطين الاقتصاد العالمي فلا أقول سوى ان الذين صنعوا المشكلة لن يجترحوا الحل. في غضون ذلك، وكما يقول المصريون فالناس «غلابة» و «رزق الهبل عالمجانين»، وقد نجد غداً من يقبل طروحات قمة العشرين وكأنها «ستشيل الزير من البير»، وسيصدقها كثيرون. غير ان القمة الاقتصادية تأخرت يوماً، كما قلت في البداية، وإِن كان في كذبة نيسان مؤشر إلى سذاجة الناس فعندي مثل من برنامج قدمته بي بي سي سنة 1966 على شكل فيلم وثائقي عن موسم السباغتي في ايطاليا ظهرت فيه أشجار تتدلى منها حبال السباغتي، وقال مذيع ان مزارعي ايطاليا نجحوا تلك السنة في القضاء على حشرة دمرت المواسم السابقة. واستغرب مقدمو البرنامج ان يصدق المتفرجون الفيلم وأن يتصلوا ليسألوا عن أسعار السباغتي في الموسم الجديد. الناس قد يصدقون أيضاً قرارات قمة العشرين مع انهم لو فكروا لتذكروا ان العملة الأميركية تحمل عبارة «نثق بالله» ولا تقول نثق بالبورصة أو ببنك الاحتياطي الفيديرالي.