بيروت - ا ف ب - أعلن رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي الاربعاء تحويل المبلغ المتوجب على بلاده في تمويل المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري، بعد ان كانت هذه المسألة تهدد مصير حكومته. وتم تحويل المبلغ من الموازنة الخاصة برئاسة مجلس الوزراء، ما يعني ان ميقاتي لم يكن مضطرا للمرور بالحكومة التي ترفض اكثريتها الممثلة بحزب الله وحلفائه التمويل. وقال ميقاتي في كلمة من مقر رئاسة الحكومة في وسط بيروت نقلت مباشرة عبر محطات التلفزة "قمت هذا الصباح بتحويل حصة لبنان من تمويل المحكمة الخاصة بلبنان"، مضيفا "هذه الخطوة ليست انتصارا لفريق او انهزاما لآخر، ولا هي تسليم باتهام اشخاص او جهة بالضلوع في جريمة الاغتيال". وتابع "انه باختصار قرار وطني يحفظ لبنان ولا يعرضه لاختبارات قاسية بدأت تلوح طلائعها في اكثر من مجال. انه قرار وطني يحمي وحدة لبنان (...) ويعطي الوطن فرصة اضافية لنبعده عن تداعيات ما يحصل في منطقتنا من تطورات متسارعة". وسبق اعلان ميقاتي المفاجىء عن تحويل المساهمة المالية ارجاء جلسة لمجلس الوزراء كانت مقررة اليوم وعلى جدول اعمالها بند التمويل. وكان ميقاتي هدد الاسبوع الماضي بالاستقالة اذا لم يقر مجلس الوزراء التمويل في جلسة الاربعاء. ويرفض حزب الله، احد مكونات الحكومة، تمويل المحكمة، معتبرا انها "مسيسة" و"اداة اسرائيلية اميركية لاستهدافه". وتتهم المحكمة اربعة عناصر من الحزب الشيعي بالتورط في اغتيال الحريري و22 شخصا آخرين في عملية تفجير انتحاري في بيروت العام 2005. وقد اصدرت مذكرات توقيف دولية في حق الاربعة المتوارين عن الانظار. واعلن حلفاء حزب الله وابرزهم التيار الوطني الحر برئاسة النائب المسيحي ميشال عون كذلك رفضهم التمويل. واوضح مصدر حكومي ان المبلغ المتوجب على لبنان والبالغة قيمته 32 مليونا و180 الف دولار "أخذ من الهيئة العليا للاغاثة التابعة مباشرة لرئاسة مجلس الوزراء، وبالتالي من الموازنة الخاصة لرئاسة الحكومة التي هي جزء من موازنة الدولة اللبنانية". واشار الى ان المبلغ يشكل حصة لبنان عن العام 2011. وشهد اليومان الماضيان اتصالات مكثفة شارك فيها رئيسا الحكومة والجمهورية ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، حليف حزب الله، بالاضافة الى حزب الله والتيار الوطني الحر. وبدا اعلان تسديد لبنان حصته من موازنة خاصة برئاسة مجلس الوزراء بمثابة مخرج يرضي جميع الاطراف للازمة التي كادت تفجر الحكومة، وردا على المعارضة وابرز اركانها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري التي كانت تشكك في تاكيدات ميقاتي المتعلقة بالتمويل. وقال ميقاتي الذي اعلن مرارا انه سيلتزم بتعهدات لبنان الدولية في كلمته الاربعاء، ان قراره "ليس انتقاصا من دور اي مؤسسة دستورية على الاطلاق، (...) بل على العكس تماما فهو مكسب للدولة اللبنانية والمؤسسات مجتمعة، ولجميع اللبنانيين من دون استثناء". ودعا "جميع الوزراء الى اعتبار هذا اليوم انطلاقة جديدة للعمل الحكومي". وتابع ان "التزامنا السعي الجاد الى تحقيق العدالة يجعلنا نتمسك اكثر فاكثر بضرورة متابعة عمل المحكمة الخاصة بلبنان مع تأكيد اهمية ان تكون حيادية وعادلة في مقاربة هذا الملف بحيث تبقيه بعيدا عن التسييس او تصفية الحسابات او التعاطي الكيدي". ويساهم لبنان بحسب النظام الاساسي للمحكمة الخاصة بلبنان بنسبة 49% من تمويل المحكمة. وانشئت المحكمة العام 2007 بقرار من مجلس الامن وبناء على طلب لبنان، وحدد عملها بثلاث سنوات قابلة للتجديد. وتنتهي السنوات الثلاث في آذار/مارس المقبل، ويتوقع ان تستحوذ مسألة تجديد بروتوكول التعاون بين لبنان والمحكمة على جدل واسع كما بالنسبة الى كل استحقاق يتعلق بالمحكمة التي ينقسم حولها اللبنانيون. وفي ردود الفعل على اعلان ميقاتي، اعتبرت المعارضة ان قرار رئيس الحكومة "يشكل انتصارا واضحا وقاطعا لتيار الاستقلال (المعارضة) الذي لم يكف عن دعم انشاء المحكمة في مقابل تيار آخر اتهمها بانها محكمة اميركية اسرائيلية"، في اشارة الى حزب الله. وقال المنسق العام لقوى 14 اذار (معارضة) فارس سعيد ان "الحكومة التي شكلها حزب الله وسوريا تعود الى نقطة البداية وتعترف بالمحكمة"، مطالبا ب"متابعة التعاون لجهة تسليم المتهمين الاربعة في جريمة اغتيال الحريري الى المحكمة". الا ان قوى 14 آذار انتقدت ما اعتبرته "صيغة تهريب التمويل"، رافضة "الشكل الذي يجعل من قضية وطنية بحجم العدالة للبنان وشهدائه موازية لحادث من فعل الطبيعة يعالج من خارج مجلس الوزراء". ورحبت السفيرة الاميركية في بيروت مورا كونيلي بعد لقائها رئيس الحكومة بقيام ميقاتي بتسديد حصة لبنان في تمويل المحكمة، مضيفة ان "التزامات لبنان تجاه المحكمة تتجاوز مسألة التمويل وحده، وان الوفاء بهذه الالتزامات يشكل مؤشرات هامة على التزام الحكومة بمصالح لبنان وبالتزاماته الدولية على حد سواء". كما صدر ترحيب عن السفارة البريطانية في بيروت. واعتبرت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين آشتون، بحسب بيان وزعته بعثة الاتحاد الاوروبي في بيروت ان قرار رئيس الحكومة "يتيح للبنان الحفاظ على استقرار حكومته"، وحضت السلطات اللبنانية على المضي في تعاونها مع المحكمة.