اضطرت القوى الفاعلة في الأكثرية الحاكمة في لبنان، والمعارِضة لتمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، الى افتداء بقاء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، الذي تحرص عليه كأولوية تتقدم على أي شيء آخر، بتسوية كان عرّابها رئيس المجلس النيابي نبيه بري قضت بتحويل ميقاتي حصة لبنان من تمويل المحكمة صباح أمس من موازنة المؤسسات التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، وتحديداً من الرصيد المالي للهيئة العليا للإغاثة، بتغطية من بري و «حزب الله» وموافقة من زعيم «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي العماد ميشال عون. وإذ خرج ميقاتي، الذي كان لوّح بالاستقالة في حال عدم الموافقة على التمويل، رابحاً من هذه التسوية، مع كتلتي رئيس الجمهورية ميشال سليمان و»جبهة النضال الوطني» بزعامة وليد جنبلاط اللتين كانتا تصرّان على سداد حصة لبنان من التمويل، إضافة الى المعارضة المتمثلة بقوى 14 آذار، التي كانت تلح على تنفيذ الخطوة، فإن الصفقة أدت الى وفاء ميقاتي بوعده للأطراف الدولية منذ ترؤسه للحكومة، بالتمويل، في تاريخ أقصاه 30 تشرين الثاني (نوفمبر) أي أمس. وفيما سمحت الصفقة التي تمت على «الطريقة اللبنانية»، من خارج مجلس الوزراء والمجلس النيابي، للقوى الرافضة للتمويل بتجنب الموافقة عليه داخل المؤسسات الدستورية، فإن مصدراً فاعلاً في الأكثرية واكب الاتصالات التي استمرت حتى ساعة متأخرة ليل أول من أمس، أكد ل «الحياة» أن ميقاتي لم يقدم على تحويل المبلغ المطلوب صباح أمس إلا بعد أن حصل على موافقة الأطراف المعترضين أساساً على الخطوة، بجهود تولاها بري، الذي تواصل بدوره مع القيادة السورية لوضعها في أجواء ما تم التوافق عليه. واضاف المصدر: «تمت الخطوة بتغطية كاملة من بري و «حزب الله» وعون، بحيث لا يعترض أي من الفرقاء الذين سبق أن قالوا إن من يريد التمويل فليدفع من جيبه، فجاء تسديد الحصة من مال الدولة اللبنانية بتفويض من جميع الأطراف، حتى لو لم يتخذ قرار في شأنه في مجلس الوزراء أو البرلمان». وقال ميقاتي في بيان تلاه إثر تحويله المبلغ (32 مليون دولار) الى المحكمة، التي رحبت بالخطوة وانتظرت تسلمه، إن قراره «يحفظ لبنان ولا يعرضه لاختبارات قاسية تلوح طلائعها، ويحمي وحدته ويجنبه استحقاقات تخدم مخططات العدو الإسرائيلي». ومع أن التسوية أدت الى تعويم حكومة ميقاتي التي تنادي المعارضة بإسقاطها، فإن «تيار المستقبل» اعتبر التمويل «إقراراً من حزب الله بشرعية المحكمة» التي كان اعتبرها أميركية وإسرائيلية، وسأل رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة: «لماذا تعريض البلد لكل هذا التشنج على مدى شهور وبعدها نقوم بالتمويل؟». أما قوى 14 آذار فاعتبرت الخطوة انتصاراً، لكنها انتقدت الصيغة التي تم فيها تهريب التمويل. وبينما ترددت معلومات عن أن هناك مقابلاً لإجازة التمويل هو تسهيل حصول عون على مطالبه، لا سيما في التعيينات الإدارية، أكد المصدر في الأكثرية أن التسوية لم تشمل أي مقابل سوى بقاء الحكومة وعدم استقالة ميقاتي، وأن وزير العدل شكيب قرطباوي عضو تكتل عون، حوّل أول من أمس اقتراحاً بتعيين أحد القضاة الذي يصر عليه عون رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، الى رئاسة مجلس الوزراء لوضعه على جدول الأعمال من أجل البت به، إلا أن ميقاتي أعاده إليه باعتبار أن آلية التعيينات تقتضي اقتراح 3 أسماء ليختار المجلس واحداً منها. وذكر المصدر أن تأجيل جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة أمس الى الأسبوع المقبل كان من أجل فسحة من الاتصالات لدراسة ما يمكن وضعه على جدول أعماله من مطالب عون. ومساء زارت السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيللي ميقاتي، ورحبت بتمويل حصة لبنان في المحكمة، وأشارت الى أن «التزامات لبنان تتجاوز مسألة التمويل وحده، والوفاء بهذه الالتزامات مؤشرات مهمة على التزام الحكومة بمصالح لبنان وبالتزاماته الدولية على حد سواء». ورحب الناطق باسم الخارجية البريطانية بالخطوة.