بدا واضحاً أن المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية في مصر التي انتهى الاقتراع في جولتها الأولى أمس، ستفرز خريطة سياسية جديدة فرضتها التحالفات الانتخابية التي بدت غير متسقة لجهة توجهات أطرافها، وكذلك ازدياد حدة الانقسامات والاستقطاب بين التيارات وبعضها وحتى بين القوى التي يفترض أنها متناغمة. وبدا التيار الإسلامي منقسماً على نفسه، إذ تفتت بين «التحالف الديموقراطي من أجل مصر» الذي قاده «حزب الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، والتحالف السلفي الذي يضم أحزاب «النور» و «الأصالة» و «البناء والتنمية»، الذراع السياسية ل «الجماعة الإسلامية»، وحزب «الوسط» الذي خاض الانتخابات منفرداً. ولوحظ ارتفاع حدة الانتقادات التي وجهها كل فصيل إلى الآخر، فحزب «الوسط» كال الاتهامات ل «الحرية والعدالة» بارتكاب تجاوزات تمثلت في استمرار الدعاية أمام المقار الانتخابية واستخدام «الورقة الدوارة» في بعض الدوائر لتحسين فرص مرشحيه في الفوز، وهي الاتهامات نفسها التي وجهها «النور» إلى «الحرية والعدالة» الذي رد بأن تجاوزات مثل خرق الصمت الانتخابي أقدمت عليها كل القوى والأحزاب السياسية. الأمر نفسه اتبعه الليبراليون وباقي القوى المدنية فانضم حزب «الوفد» إلى فريق الإسلاميين المنتقدين للكنيسة القبطية بسبب ما اعتبروا أنه دعم منها لمرشحي «الكتلة المصرية»، وفي القلب منها «حزب المصريين الأحرار» الليبرالي الذي اختار التحالف مع «الحزب المصري الديموقراطي» (يسار وسط) وحزب «التجمع» (يسار). وكان الاقتراع في المرحلة الأولى من الانتخابات انتهى أمس وسط أجواء اتسمت بالهدوء الأمني والإقبال اللافت على المشاركة في اليوم الأول والأقل نسبياً في اليوم الثاني. واتفقت القوى السياسية على تقدم التيار الإسلامي، خصوصاً «الحرية والعدالة»، في الجولة الأولى وفقاً لما رصده مندوبو الأحزاب والكتل الانتخابية. وتوقع قياديون في «الكتلة المصرية» وحزبي «النور» و «الوفد» تقدم حزب «الإخوان» في المرحلة الأولى، وكذلك أكد نائب رئيس الحزب عصام العريان، لكنه لم يحدد نسباً مدققة. ومعلوم أن محافظات المرحلة الثانية التي تنطلق انتخاباتها منتصف الشهر المقبل، يتمتع الإسلاميون فيها بشعبية كبيرة، خصوصاً الشرقية والبحيرة، وكذلك الدقهلية في المرحلة الثالثة، فضلاً عن نفوذهم في الصعيد، ما يؤشر إلى تقدم الإسلاميين في مصر، كما في تونس والمغرب. وتستعد اللجنة العليا للانتخابات لإعلان نتائج المقاعد الفردية (ثلث المقاعد) في المرحلة الأولى اليوم، لكن يتوقع أن تشهد إعادة في غالبية الدوائر بسبب زيادة أعداد المرشحين واتساع الدوائر الفردية، ما يُصعب حسمها في الجولة الأولى التي يقتضي النجاح فيها الفوز بغالبية مطلقة من أصوات المقترعين. أما القوائم الانتخابية (ثلثا المقاعد) فسيعلن فقط عدد الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة، ولن تعلن النتائج بانتظار انتهاء مراحل العملية الانتخابية الثلاث في كانون الثاني (يناير) المقبل لحساب نسب قوائم كل حزب أو ائتلاف، ومن ثم إعلان أسماء الفائزين بالمقاعد المخصصة للقوائم. وفي وقت أشارت منظمات حقوقية إلى استمرار بعض السلبيات الإدارية في عملية الاقتراع، أوضحت أنها لمست تحسناً ملحوظاً في الأداء. وشكت منظمات من عدم كشف المنتقبات وجوههن في لجان الانتخابات كي يتأكد القضاة من هويتهن، ورصدت أخرى عمليات تصويت جماعي في لجان محدودة. لكن الإقبال غير المسبوق ونجاح خطة الجيش في تأمين الانتخابات زاد التوقعات بأن تشهد الجولات المقبلة إقبالاً كبيراً، تحاول القوى السياسية استثماره للفوز بالكتل التصويتية للغالبية التي كانت صامتة. وفي نيويورك هنأ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الشعب المصري على التزامه تحقيق تغيير ديموقراطي في البلاد ومساهمته في التحول الديموقراطي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وحيا بان الشعب والسلطات في مصر على المشاركة في المرحلة الأولى من الانتخابات وعلى الهدوء العام والانتظام خلال عملية الاقتراع. وشدد الأمين العام على ضرورة إجراء المراحل المتبقية من الانتخابات بطريقة موثوق بها وسلمية.