الأغلب على الظن أن لقاء الرئيسين الروسي والأميركي في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، كان وراء تصعيد الرئيس مدفيديف موقفه إزاء نشر الدرع الصاروخي في أوروبا. في اللقاء، بقيت قضية «الدرع» خارج النقاش، الذي دار على مواضيع كثيرة. لكن اللقاء-القمة شهد سابقة مزدوجة: دعوة مدفيديف اوباما في العلن الى زيارة موسكو، وردّ الأخير الدعوة، ما يُعارض العرفَ السائد بترتيب الدعوات خلف الكواليس. وأعلن الرئيس الروسي أن دواعي منطقية تفرض انسحاب بلاده من اتفاق الحد من الأسلحة الإستراتيجية، جراء التلازم بين الأنظمة الدفاعية والهجومية. وتبعث على الأسف رؤيةُ إنجازات الرئيسين على المحك في آخر ولايتيهما. لكن، هل ثمة فائدة تُرتجى من الردّ الروسي هذا على نشر الدرع الصاروخية، في وقت يشير بعض الخبراء إلى ان منظومة الدرع لن تدخل مرحلة العمل إلا في المرحلة الثالثة من عملية النشر؟ والسياسة الأميركية وثيقة الارتباط بوضعها المالي المضطرب، ففي الأسبوع الماضي وقعت حادثة مهمة في الحياة السياسية الأميركية: فشلت لجنة الكونغرس الاستثنائية في إيجاد حل لتقليص الدين العام والاتفاق على بنود ترتبط بموازنة البنتاغون، وهذا شأن جرى العرف على حظر الخلاف عليه بين الحزبين. وإثر العجز عن تذليل مشكلة الموازنة في الكونغرس، يفترض أن يقترح وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتّا، مشروعاً لتقليص موازنة الدفاع تقليصاً يفوق 450 بليون دولار في العقد المقبل. ويرتجى أن تحمل تصريحات مدفيديف الولاياتالمتحدة على احتساب الضرورة الفعلية لهذه الدرع التي تؤجج التوتر مع روسيا، البلد الذي يسعى الى أن يكون صديقَ واشنطن أو شريكَها. وقد يفيد هنا التذكير بأن روسيا أبدت الاستعداد للموافقة على نشر الدرع لقاء ضمانات قانونية مكتوبة بأنها غير موجّهة ضدها، لكن مثل هذا الطلب لم يُستجب. ولا يَخفى على أحد أن مشروع الدرع الصاروخية لا يلقى صدى طيباً في دوائر الشعب الأميركي، ولذا يخلص المرء الى أن المشكلة مردُّها الى افكار بعضهم. وعلى رغم الاختلافات والتباينات بين البلدين، قللت موسكو أهمية هذه المشكلات «الثانوية» ومدت يد الشراكة، ولكن كلما كانت تلوح في الأفق بوادر حلّ واتفاق في موضوع الأزمة الإيرانيّة مثلاً، كانت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها يسارعون الى اقتراح مشروع فرض عقوبات جديدة. يدور اليوم في الولاياتالمتحدة كلامٌ على سعي موسكو الى بعث الاتحاد السوفياتي من غير سند واقعي، ما يدفع المراقبَ إلى الاستنتاج أن سياسة الغرب هي أسيرة أجواء تعود إلى 20 سنة خلت. والحق أن العالم تغيَّر في العقدين السالفين هذين، ففيهما غدت الولايات المتّحدة وأوروبا على شفير الإفلاس ويترنحان تحت وطأة الدَّين، وبادر الرؤساء الروس الثلاثة (بوريس يلتسن وفلاديمير بوتين وديمتري مدفيديف ) الى مد اليد إلى الغرب، والثلاثة أشاروا إلى رغبة روسيا في الانضمام إلى الناتو، ورحّب «الأطلسي» بالرغبة الروسية لكنه أرجأ تحقيقها الى حين يتوقف عن رؤية موسكو عدواً له. * محلل، عن وكالة «نوفوستي» الروسيّة، 23/11/2011، إعداد علي شرف الدين