تحوّل المهرجان الذي أقامه «تيار المستقبل» أمس في طرابلس عاصمة شمال لبنان لمناسبة ذكرى الاستقلال تحت عنوان: «خريف السلاح... ربيع الاستقلال» الى مبايعة سياسية لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري في استفتاء شعبي شارك فيه عشرات الألوف، وشكل مناسبة لاحتضان «الربيع العربي» في سورية ومحاكمة للحكومة التي يرأسها نجيب ميقاتي في مسقط رأسه على مواقفها من فلتان السلاح غير الشرعي وعلى رفضها قرارات مجلس الجامعة العربية المؤيدة لانتفاضة الشعب السوري وعلى الاختلاف بين القوى المشاركة فيها حول تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وعلى رغم أن مصادر قيادية في «المستقبل» رفضت اعتبار الحشد الشعبي الذي شهده المهرجان استعراضاً ضد ميقاتي باعتبار ان حكومته ساقطة شعبياً وأن الدعوة اليه لم تكن للدخول في مبارزة عددية معه، قالت ان الهدف منه استنهاض الحالة الشعبية لتأكيد الهوية السياسية للشمال وصولاً الى تحصين ساحته في وجه من يريد العبث باستقراره أو استخدامه لتوجيه رسائل للضغط على من يدعم الحراك الشعبي في سورية. ولذلك حرص «تيار المستقبل»، كما تقول مصادره، على تأكيد شراكته وقوى 14 آذار في «الربيع العربي» فيما ترزح الحكومة تحت وطأة التأزم السياسي بسبب الاختلاف بين قواها الرئيسة الذي بات يهدد مصيرها، وهذا ما برز واضحاً من خلال المواقف التي أعلنها الخطباء في مهرجان الاستقلال من رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، باسم الحريري الموجود في الخارج، الى النواب مروان حمادة، بطرس حرب، سمير الجسر ومحمد كبارة. وفي هذا السياق اعتبر السنيورة ان الشعب السوري هو الذي يصنع التغيير في سورية ولا أحد سواه، «فأبطال سورية يصنعون تجربتهم وليسوا في حاجة الى من يعلمهم ويدلهم الى الطريق، وهم سيقررون ماذا سيكون نظامهم وكيف يتم تغييره وتطويره»، محذراً من ان «هذا اللبنان الذي دافعتم عنه وضحيتم من أجله في مواجهة العدو الإسرائيلي مهدد بأن لا يبقى كما كان بفعل عقول مغامرة وطموحات مريضة». وتوجه السنيورة بالسؤال الى الرئيس ميقاتي ابن طرابلس الذي نجح في الانتخابات النيابية «بأصواتكم»: «ألستم مع ما يريده شعب طرابلس؟ انه مع المحكمة الدولية وتمويلها، نفذوا ما يريده الشعب الذي يسأل أيضاً لماذا حماية المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري». وشدد على التمسك باتفاق الطائف والعيش الواحد الإسلامي - المسيحي القائم على المناصفة، والديموقراطية والمساواة بين اللبنانيين، وتداول السلطة في شكل سلمي وديموقراطي وعلى رفض العنف وكل أشكال الترهيب والترغيب وعلى عودة دولة القانون لبسط سلطتها على كل أرجاء الوطن فلا تكون هناك دويلات تنازع الدولة اللبنانية في سلطتها. ودعا حمادة الرؤساء ميشال سليمان ونبيه بري ونجيب ميقاتي الى عدم ادخال لبنان في السجن الكبير لحظة خروج الشعوب العربية منه، معتبراً ان ما يحصل في طرابلس اليوم بلاغ رقم واحد للعروبة في لبنان وسورية. وتوجه بنداء الى الرئيس ميقاتي الذي «اعتقدناه رفيقاً» وقال له: «لا تترك القتلة يسرحون ويمرحون فوق دماء الشهداء ولا تترك العدالة تنهزم على يد حكومتك العرجاء». ولفت حمادة في المقابل الى ان هذا النداء «أرفع من أن يوجهه الى حزب الله الذي هو حزب السلاح والهيمنة ولا الى التيار العوني الذي هو تيار الهيمنة بالكيدية والشتائم البرتقالية وتيار الفساد الكهربائي». ورفض النائب حرب أي سلاح غير شرعي غير خاضع لأمرة الدولة لأن فيه «خطراً على دولتنا ووحدتنا الوطنية وقضائنا وأمننا وعدالتنا». وقال: «من حقنا أن نطالب الحكومة بأن تلتزم بواجبها الأخلاقي والإنساني في تمويل المحكمة»، مؤكداً ان التزام لبنان التمويل لا يقبل المساومة والمناورة والاستسلام وأن عدمه اغتيال جديد لشهدائنا. وتوجه الى شهداء «ثورة الأرز» وقال: «لقد تحقق نصف حلمكم، خرج السوريون من لبنان وانتهت الوصاية واستعدنا نصف استقلالنا، إلا أن نصف حلمكم الآخر الرامي الى بناء الدولة القادرة العادلة لم يتحقق بعد ونحن نتابع المسيرة في وجه من يحاول جاهداً ضرب هذا الحلم». ورأى النائب كباره انه «لا يوجد شيء اسمه مقاومة في لبنان»، معتبراً أن «من احتل بيروت في أيار (مايو) 2008 ليس مقاومة ومن هاجم الجبل الدرزي وهُزم ليس مقاومة ومن تعدى في عكار وإقليم الخروب وصيدا ورُدع أيضاً ليس مقاومة». وأكد النائب الجسر ان «هذه الحكومة ليست في حاجة الى إسقاط لأنها في الأصل ساقطة من وجدان الناس ومن ضمائرهم»، وشدد على ان تمويل المحكمة هو امتحان صدقية من يزعمون انهم مع العدالة، معتبراً ان سيادة الدولة تعني ان قرار السلام والحرب يكون بيدها وحدها ولا يقرر عنها أحد، لا من الداخل ولا من الخارج، وتراعى فيها مصلحة الدولة وحدها لا مصلحة الدولة الأخرى. وليلاً توجه الرئيس سعد الحريري بتحية إكبار وتقدير للجموع الشعبية التي لبّت اليوم دعوة «تيار المستقبل» للمشاركة في المهرجان. وقال الحريري: «أظهرتم من خلال مشاركتكم الكثيفة أنكم لن تتهاونوا أمام محاولات استهداف مسيرة الحرية والسيادة والاستقلال والالتفاف على المحكمة الدولية». وختم: «عزّ عليّ ألا أكون بينكم في هذا اليوم الوطني المجيد وإلى لقاء قريب بإذن الله.