تأخذ الجهود الاقتصادية والتنموية التي تبذلها مملكة البحرين أشكالاً متنوعة ومتطورة تفضي في النهاية الى بناء دعائم قوية وصلبة للتنمية الدائمة، واستقطاب الاستثمارات وتأمين عشرات الآلاف من الوظائف للمواطنين. وجاء الإعلان الأخير عن حصول «منطقة البحرين اللوجستية» على مراكز عالمية متقدمة، لتبرز مرة اخرى جانباً من تلك الجهود، اذ احتلت المرتبة الثالثة على مستوى العالم والثانية على مستوى الشرق الأوسط ضمن فئة أفضل المرافق. واحتلت المرتبة العاشرة عالمياً والسابعة على مستوى الشرق الأوسط ضمن فئة أفضل استراتيجية لترويج الاستثمار الأجنبي، وفقاً لما ورد في تقرير نشرته مجلة «اف دي أي» التابعة لصحيفة «فايننشال تايمز». وتُعد المنطقة اللوجستية التي دشنت عام 2008، أول منطقة متخصصة في اللوجستيات في البلد، إذ إنها تركز على عمليات إعادة التصدير وأنشطة الخدمات اللوجستية ذات القيمة المضافة. ويمكن استيراد البضائع من المنطقة اللوجستية وإعادة تصديرها من دون احتساب رسوم أو ضرائب جمركية، علماً أنه سمح للأجانب بالتملك بنسبة 100 في المئة. وساهم تدشين المنطقة اللوجستية بفاعلية في تعزيز الموقع المتخصص والمكانة المتميزة للبحرين باعتبارها المركز الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية للتجارة والتنمية في الشرق الأوسط، فضلاً عن أن هذا المشروع الحيوي يساهم في استقطاب استثمارات تتجاوز 280 مليون دولار. كما تعمل الهيئة المسؤولة عن المنطقة على زيادة حجم الموقع بنسبة 150 في المئة، ما من شأنه أن يستقطب استثمارات مباشرة تصل إلى 600 مليون دولار. ولا شك في أن نجاحات «منطقة البحرين اللوجستية» ما كانت لتتحقق من دون تمتع البحرين بأفضل التسهيلات والمرافق والخدمات اللوجستية في منطقة الشرق الأوسط، اضافة الى موقعها الاستراتيجي وقربها من اقتصادات الشرق الأوسط النامية وقنوات ارتباطها بها، مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة فضلاً عن قدرتها الكبيرة والمتميزة على الوصول إلى منطقة شمال الخليج العربي، حيث إن المنطقة اللوجستية مرتبطة بالطرق البرية والبحرية والجوية المؤدية إلى هذه المناطق والأسواق. كما أن البحرين تتمتع ببنية تحتية قوية لشبكة المواصلات المتطورة من خلال ما تتميز به من طرق برية وجوية وبحرية تربطها بكل المناطق المحيطة فضلاً عن المحطات العالمية الكبرى. وبات قطاع اللوجستيات يحتل مكانة مهمة ومتزايدة في تسهيل التجارة العالمية، والحياة بين المواطنين، وبالتالي في دعم نمو الاقتصاد البحريني، وهذا ما يتجلى من خلال الزيادة في حجم أعمال القطاع بنسبة 8 في المئة عام 2009. وأشارت دراسات متخصصة في مجال تحليل الأعمال إلى أن صناعة الخدمات اللوجستية العالمية سجلت نمواً بنسبة 9 في المئة لتصل إلى 260 بليون دولار في 2009. وبذلك، تعتبر «منطقة البحرين اللوجستية» بمثابة رافد من روافد النمو الاقتصادي للبلد وتمثل إضافة نوعية في مسيرة تنميته الاقتصادية، إذ تساهم هذه المنطقة في خلق أكثر من 2400 وظيفة متعلقة بالخدمات اللوجستية من الرواتب المتوسطة والعالية ذاتها، وهذا دليل واضح على مدى التزام الحكومة الثابت والأكيد بتوظيف مزيد من القوة العاملة الوطنية المدربة والمؤهلة التي تتمتع بالمهارات والقدرات المهنية المتميزة. ان قطاع النقل والمواصلات في دول مجلس التعاون الخليجي يساهم بما يتراوح ما بين 8 و 12 في المئة من الناتج المحلي في دول مجلس التعاون الخليجي، أي ما يعادل 70 بليون دولار سنوياً، وتتضمن هذه المساهمة كل الأنشطة المتعلقة بنقل الركاب والبضائع عبر الطرق البرية والسكك الحديد والنقل الجوي، ومن طريق الموانئ والشحن وخطوط الأنابيب. بينما تبلغ تلك النسبة في الدول الصناعية 17 في المئة، ما يشير بوضوح إلى إمكانات النمو الهائلة التي يمتلكها قطاع اللوجستيات في البحرين وبقية دول الخليج العربية. وباعتبار ان النقل والخدمات اللوجستية ليست انتقالاً للسلع والبضائع والأفراد فحسب، بل للحضارات والثقافات والمعارف أيضاً وتبادلها، فإن التحدي الأكبر الذي تواجهه دول المجلس هو كيف يمكن إنشاء شبكات طرق وموانئ ومطارات ومنافذ حديثة قادرة على مواكبة التطور الجاري من حولنا واستيعابه، وما هي آلية خلق كيانات اقتصادية قادرة على إدارة هذا القطاع وتوجيهه مع الأخذ في الاعتبار منافسة الشركات والمؤسسات المحلية والعالمية العملاقة. وفي هذا المجال، لا بد من الإشارة إلى ضرورة قيام المصارف البحرينية بالاهتمام أكثر بقطاع اللوجستيات في البحرين، ودراسة الفرص المتوافرة، وتصميم المنتجات المصرفية المبتكرة للدخول في هذا القطاع بصورة توازي الاهتمام الحكومي الموجّه إليه، كي تواكب هذه البنوك جهود التنمية في المملكة وتقدم مزيداً من التسهيلات لدعمها وتطويرها لتوسيع مساهمتها في الناتج المحلي وتنويع مصادر دخلها. * رئيس اتحاد المصارف العربية