عندما أقرأ حملات المحافظين الجدد والليكوديين الأميركيين الآخرين على الإسلام والمسلمين أجد خليطاً من الوقاحة والكذب لا يقدر عليه إلا أمثالهم من المتطرفين، غير أنني أقرأ كل ما تقع يداي عليه، وأجد أنهم يهاجمون جميع الناس، أو من لا يرفع العلم الأبيض ويستسلم لإسرائيل، حتى إنني قرأت حملات لهم على «تايم» و «نيوزويك» و «الغارديان» في قضايا لم تلتزم فيها بإسرائيل أو تهاجم المسلمين (وكله محفوظ عندي). لا أستطيع غير تقديم أمثلة، ومنها برنامج الدراسات اليهودية في جامعة كاليفورنيا فهو استضاف محاضراً من جامعة لندن هو البروفسور جيلبرت أشقر الذي قال إن المحرقة كانت فظيعة وانتقد تعاون الحاج أمين الحسيني مع هتلر، إلا أنه قال أيضاً إن اضطهاد اليهود وطردهم من العالم العربي بعد قيام إسرائيل كانا محدودين، وأنكر حق إسرائيل في القيام على أراضي الفلسطينيين. هذا الكلام جعل موقعاً ليكودياً يهاجم برنامج الدراسات اليهودية والمحاضر، ويعتبر البرنامج اليهودي جزءاً من المشكلة. أي مشكلة؟ الجماعات الصهيونية حرضت اليهود العرب على ترك بلادهم. وفي العراق كان الصهيونيون من الجريمة أن نظموا اعتداءات على مراكز يهودية لإخافة اليهود وحملهم على الهجرة إلى إسرائيل، أو تلك الخرافة التوراتية. الموقع نفسه يهاجم فكرة وجود «أميركي نموذجي مسلم»، ويعتبره خداعاً، فالمسلم لا يمكن أن يكون أميركياً صالحاً، وهو ينتقل من ذلك إلى مهاجمة شركة إنتاج تلفزيوني وشبكة التلفزيون العام الأميركية، وهذه رصينة موضوعية حتى الملل، لبث برامج عن المسلمين الأميركيين. طبعاً وحتماً وقطعاً وبالتأكيد الأميركي المسلم يستطيع أن يكون أميركياً صالحاً مثل اليهودي المعتدل طالب السلام، غير أن أمثال المحافظين الجدد والمتطرفين الليكوديين لا يمكن أن يصبحوا أميركيين خالصين، فولاؤهم الأول والأخير هو لدولة فاشستية محتلة أصر مرة أخرى على أن لا حق لها في الوجود على أرض في فلسطين. وكان عنوان إحدى صحف المحافظين الجدد «الإسلام الراديكالي في قلب أوروبا»، وكاتبه الليكودي يتحدث عن إرهابي صربي أطلق النار على السفارة الأميركية في ساراييفو، ويخلص من ذلك إلى القول إن القضية هي «إرهاب وهابي لفرض الشريعة». الإرهاب، حتى لو كان من مسلمين، سببه إسرائيل والإرهاب الصهيوني الذي أطلق كل إرهاب آخر، ولولا وجود الجريمة هذه لما وجد الإرهاب المضاد، وهو أصلاً في معظمه حركة تحرر وطني ضد الاحتلال. ثم أن المقال لا يسأل لماذا أصبحت السفارات الأميركية قلاعاً محصنة حول العالم، ولماذا يطلق مسلم النار على السفارة الأميركية في عاصمة ما. السبب هو إسرائيل وسيطرتها على السياسة الخارجية الأميركية ما جعل الولاياتالمتحدة تظهر في كل استفتاء كأكثر بلد مكروه حول العالم، وهذا ينطبق على أوروبا قبل بلادنا. وحادث البوسنة كان موضوع حملة أخرى عنوانها «الحقيقة عن الإسلام» وجدته كذباً كاملاً. ومثله «مواجهة حقيقة الإسلام»، وتشابه العنوانين يعني أن الكاتبين الحقيرين يغرفان من معين بذيء واحد. هم من «البجاحة» أنهم يجرون مقابلات لأحدهم الآخر تأييداً لرأيهم فيما السائل والمسؤول متهمان ومدانان. وهكذا أقرأ مقابلة تقول إن الإخوان المسلمين تسللوا إلى الحزب الجمهوري الأميركي وهو معقل أنصار إسرائيل الذين لا يزالون يؤيدون كل حرب على العرب والمسلمين. أو أقرأ مقالاً عنوانه «كيف تموت الحضارات»، وأجد أن موقعاً ليكودياً يجري مقابلة مع ليكودي له الكتاب «كيف تموت الحضارات (ولماذا الإسلام يموت أيضاً)». وثمة مادة كافية لموسوعة لا مجرد كتاب، عن حملاتهم على أفراد من المسلمين مثل الحاج أمين الحسيني، وهو أشرف من أن أقارنه بالمجرمين الإسرائيليين، والسجينة المحررة وفاء البس التي سرق الإسرائيليون شبابها ووطنها وقتلوا أهلها ويعترضون أن تكون مستعدة لعملية انتحارية، ومثلها المناضلة المحررة أحلام التميمي، والطالبة في كاليفورنيا جمانة عماد البحري التي رفضت أن تدين العمليات الانتحارية، فكانت هدف مقالات وبرامج تلفزيونية. ثم هناك الحسناء ريما فقيه، ملكة جمال الولاياتالمتحدة لسنة 2010 اللبنانية الأصل التي أثارت العنصريين إلى درجة اعتبارها «ملكة جمال حزب الله» واستهدفتها مواقعهم الإلكترونية، وجعلت داعية الحرب الليكودي دانيال بايبس يبدي «الشك» في خلفيات الاختيار، لأن جميلات عربيات كثيرات فزن بألقاب ملكات جمال في مباريات محلية أميركية، فلا بد أن تكون هناك «مؤامرة.» طبعاً لا مؤامرة، وإن وجدت فهي حتماً ليست في حجم التآمر على العراق وأهله وقتل مليون عربي ومسلم. باراك أوباما قد ينسى ويغفر إلا أننا لا ننسى ولن نغفر. [email protected]