تستعمل كلمة الإنكار بالانكليزية، أو في الغرب كله، بقدر ما نستعمل نحن كلمات من نوع المعطيات والحيثيات والإشكاليات في لغتنا السياسية. وقد عادت إلي كلمة الإنكار بعد أن اكتشفت موقعاً على الانترنت أرجح أنه يهودي يحمل اسمي في 124 ألف خبر لها علاقة بإسرائيل واليهود. ولم أتجاوز أول صفحات منه فالعمر قصير، ولست من الأهمية أن تشملني الأخبار، إلا أنني لاحظت من تصفح المادة الأولى المنشورة انها تتهمني مرة بعد مرة بالإنكار، مثل انكار الإرهاب ومصدره وإنكار «الإرهاب» الفلسطيني الذي أراه مقاومة مشروعة ألفاً في المئة وأؤيده ضد الإرهاب الإسرائيلي. لم يشفع لي عند الموقع انني هاجمت دائماً الذين ينكرون المحرقة، وكتبت مرة بعد مرة عن اليهود طلاب السلام في اسرائيل وأميركا والعالم كله، فطالما انني مع فتح وحماس وحزب الله ضد اسرائيل فأنا أهرب من المشكلة بإنكارها. ربما ما كنت لأتناول الموضوع لولا انني في اليوم نفسه كنت أقرأ في الصحف الإسرائيلية مقالاً كتبه ديفيد التمان وجدته يهبط الى حضيض الإنكار، في شكل وقح للغاية. الكاتب يزعم عودة التشهير بالدم، أو تلك الفطيرة المجبولة بدم الأطفال المسيحيين، وهي تهمة كاذبة بالتأكيد وتعود الى قرون خلت أيام اشتداد اللاسامية ضد اليهود. غير أن الكاتب ينتهي من عرض تاريخ التهمة الكاذبة القديمة والتعريج على النازية، الى عرض وقائع ليس فيها تشهير أو كذب بل ادانة لإسرائيل تقبل بها أي محكمة. هو شكا من «جامعة الإرهاب» التي بدأت في فيتنام، وما بدأ في فيتنام هو مقاومة عدوان فرنسي ثم أميركي دانه الأميركيون أنفسهم، بل شكا من أن الدعاية الفيتنامية الشمالية نجحت في تصوير فظائع عن قتل النساء والأطفال وتدمير القرى يبدو أن الكاتب لا يصدق حدوثها، فاقترح عليه أن يشاور سايمور هيرش، وهو يهودي مثله إلا أن هيرش نبيل محب للسلام، ليحدثه عن ماي لاي وغيرها. كيف يمكن ان تصل بإنسان الوقاحة أن يزعم ان إعلام فيتنام الشمالية، وهو بدائي أو غير موجود يمكن أن يهزم إعلام أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم؟ يحتاج الإنسان من هذا النوع إلى أن يكون ليكودياً أو مستوطناً، أو لصاً يقيم في بيت فلسطيني ويتهم الفلسطيني بالإرهاب. فكل اسرائيل بؤرة استيطانية في أرض فلسطين وعلى حساب شعبها. التمان ينكر العدوان في فيتنام لينكر العدوان الآخر في فلسطين، وهو يكمل بفيلم عن سرقة الصهيونيين عيون ضحاياهم الفلسطينيين، ولم أسمع عن هذا الفيلم، وانما سمعت عن جريدة في السويد تحدثت عن متاجرة الإسرائيليين بأعضاء الضحايا الفلسطينيين، والكاتب يقول ان البروفسورة نانسي شيبر - هيوز، من جامعة كاليفورنيا، كتبت تقريراً يقول ان اسرائيل تقود العالم في المتاجرة بالأعضاء البشرية، ثم يعطف الكاتب على النروج ومقاطعتها شركة إلبييت الإسرائيلية لإنتاجها أجهزة تستخدم في جدار الفصل العنصري. كل ما سبق يراه ديفيد التمان من نوع التشهير بالدم أو تلك الفطيرة اللاسامية. مراجعة سريعة: الأممالمتحدة، في تقرير كتبه قاضٍ يهودي، اتهمت اسرائيل بارتكاب جرائم حرب، والسويد والنروج تنتقدان اسرائيل، وكذلك أستاذة جامعية أميركية، ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية وعشرات المنظمات العالمية المماثلة تدين اسرائيل في قطاع غزة وخارجه، وأساتذة جامعيون يهود اسرائيليون يطالبون بمقاطعة اسرائيل على غرار جنوب أفريقيا السابقة، والقس دزموند توتو يقول ان اسرائيل تمارس فصلاً عنصرياً (أبارتهايد) ضد الفلسطينيين، وكنائس أميركية عدة سبقت النروج بسنوات في مقاطعة اسرائيل وللأسباب نفسها. وهناك استطلاع أوروبي مشهور قرر أن أميركا واسرائيل خطر أكبر على السلام من ايران وكوريا الشمالية (أميركا جورج بوش لا باراك أوباما). بكلام آخر العالم المتحضر يدين اسرائيل، ثم يأتي من ينكر التهمة بنفس نازي، فهو يعتبر ان اسرائيل وحدها على حق والعالم كله على خطأ، كما اعتبر هتلر وغوبلز يوماً أن النازية وحدها على حق. بعضنا ينكر ان الإرهاب طلع من صفوفنا، إلا أنه انكار لا يقاس شيئاً بإنكار المسؤولية الموازية عنه التي تتحملها اسرائيل، وكلاهما أقل أهمية من انكار اسرائيل جرائمها والعالم كله يدينها لا مجرد العرب والمسلمين.