قنوات رئيس الحزب الليبرالي العريق تصدح ليلاً ونهاراً بأغنيات تدلل الحزب تارة بال «سيكا»، وتارة أخرى ب «النهاوند»، وقنوات مؤسس حزب «المصريين الأحرار» تحشد فقرات ترويجية للحزب ومرشحيه كل بضع دقائق على خلفية أهرامات الجيزة تارة وفي أحياء القاهرة الشعبية العريقة تارة أخرى. والغالبية العظمى من الفضائيات الخاصة –غير الدينية– فتحت أبوابها الإعلانية على مصاريعها أمام إعلانات الأحزاب ومرشحيها للانتخابات البرلمانية التاريخية المرتقبة في مصر. وكذلك الحال في القنوات الدينية، فهي تعمل بكد وجد في مجال الانتخابات، وإن كانت تنتقي الترويج لتيارات وأحزاب دينية دون أخرى، تبعاً لملكيتها وميول أجنداتها السياسية. أما القنوات التلفزيونية المصرية الرسمية، فحدِّث ولا حرج. لقد وجدت نفسها للمرة الأولى في تاريخها من دون أب يرعى توجهاتها السياسية الحزبية ولا أمٍّ توجه رسائلها المباشرة وغير المباشرة، وها هي تحاول جاهدة أن تقدم رسالة انتخابية رغم معاناة اليتم! المشهد الفضائي المصري الانتخابي الحالي مثير جداً! فقد جرى العرف في تاريخ مصر الحديث أن تسخر القنوات الرسمية طاقاتها لخدمة الحزب الحاكم رغم ضمان فوزه، بصرف النظر عن المنافسين! وبقي استئثار الحزب الحاكم بقنوات النظام الحاكم إبان التحضير للانتخابات لعقود طويلة، لم تزعزعه سوى جهود شكلية لإعطاء الفرصة للمنافسين للتعبير عن برامجهم! وكانت النتيجة إتاحة بضع دقائق لعدد من الأحزاب الأخرى المدجنة التي لا خطر منها. ورغم بزوغ نجم جماعة «الإخوان المسلمين» على الساحة السياسية، ونجاح بعض أعضائها في دخول البرلمان رغم أنف التزوير والاستئثار بالساحة التلفزيونية، إلا أنهم ظلوا والمتعاطفون معهم على القوائم السود الممنوعة منعاً باتاً من دخول التلفزيون، بل كان الجميع يتفكه بأن أعضاء الجماعة «المحظورة» كانوا ممنوعين من مجرد المرور في مربع «ماسبيرو»، فما بالك بالظهور على قنواته الرسمية! حتى القنوات الخاصة المملوكة لرجال أعمال، فقد كانت الموازنات السياسية والمجاملات الاجتماعية التي تجمعهم ورموز النظام تلقي بظلالها إلى حد كبير على حجم ظهور مرشحي أحزاب المعارضة والجماعة «المحظورة» على أثيرها! ما لذّ ولم يطب لكن الأثير حالياً عامر بكل ما لذَّ ولكن لم يطب بالضرورة من برامج الأحزاب وأحاديث المرشحين. الظاهرة الأوضح هي القنوات الفضائية التي يملكها رجال أعمال ذوو صلة وثيقة بالساحة الانتخابية، وأبرز الأمثلة على ذلك مجموعة قنوات «الحياة» التي يملكها رجل الأعمال ورئيس حزب «الوفد» السيد البدوي وقناة «أون تي في» التي يملكها رجل الأعمال ومؤسس حزب «المصريين الأحرار» نجيب ساويرس. ففي الأولى يهل على المشاهدين في غالبية الفقرات الإعلانية والفواصل صوت الفنان محمد نوح بنبرته الحماسية المعتادة وهو يشحذ همة المشاهد ويسأله ويرد على السؤال في آن: «قلبك مع مين؟ الوفد الوفد. قلبك مع مين؟ الوفد الوفد». وفي الثانية هناك عشرات الإعلانات الترويجية لحزب «المصريين الأحرار» من خلال مؤسسه ومالك القناة ساويرس، أو عبر مرشحي الحزب في مختلف الدوائر. إلا أن ذلك لا يعني أن تلك القنوات أغلقت أبوابها أمام مرشحي التيارات والأحزاب الأخرى، بل العكس هو الصحيح، فبرامج ال «توك شو» اليومية عامرة بشتى أنواع المرشحين وأطيافهم، ومنهم من يتسم بتوافق، على الأقل أيديولوجي، مع أيديولوجية القناة وحزب مالكها، ومنها ما لا يمت لها بصلة من قريب أو بعيد. صحيح أنه يمكن استشراف القليل من الانحياز للمنتمين لتيار أو حزب صاحب القناة، مع قليل من الإمعان في الانتقاد للاتجاهات المضادة أو المنافسة، ولكن لا يمكن إدراجه تحت بند الانحياز الأعمى أو الحجر على الاتجاهات الأخرى المنافسة. ولعل أبرز المنافسين للاتجاهات السياسية الليبرالية التي يدعمها ويرأسها عدد من رجال الأعمال، هم المنتمون إلى التيارات السياسية ذات الرداء الديني أو ذات المرجعية الدينية والتي تتأرجح في ظهورها هذه الأيام في إطار حملاتها الانتخابية بين تلبية دعوات الاستضافة في برامج ال «توك شو» في القنوات الخاصة والرسمية وبين الظهور في القنوات الدينية التي لم تعد تخضع للرقابة الرسمية أو حتى الذاتية. ففي الوقت الذي كثر فيه ظهور المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل كضيف يشرح برنامجه الانتخابي في الكثير من القنوات الخاصة، يقدم الشيخ عدداً من البرامج على قناة «الناس» الدينية، وهو ما يعد فرصة ذهبية بالطبع ليسهب في شرح برنامجه الرئاسي، سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وكما هو متوقع، فإن غالبية برامج القنوات الدينية تروج هذه الأيام لمرشحي التيارات والأحزاب الدينية، كلٌّ وفق توجهه. إلا أن أبواب هذه القنوات مغلقة على نفسها وعلى مرشحيها، أي أنها ليست مفتوحة للتيارات الأخرى التي لا ترتدي طابعاً دينياً. لكن الألبسة عدة وكثيرة وهو ما يساعد المشاهد العادي على تصنيف القنوات المختلفة، كما تساعد القائمين على تلك القنوات أنفسهم –أي الإداريين- على تصنيف نوعية الضيوف وتحديدها في الأيام الحساسة السابقة للانتخابات، كذلك قبول أو رفض الإعلانات الترويجية للأحزاب. لكنّ أصعب المواقف على الإطلاق ما تعرّض له التلفزيون الرسمي من ضبابية رؤية حول الدعاية الانتخابية، ما ظهر منها وما بطن. تخبط مرئي ويبدو التخبط المرئي الرسمي واضحاً أمام الأبواب المفتوحة لاستضافة مرشحين وممثلي أحزاب من كل الأطياف، لا سيما اولئك الذين لم يعتد أهل «ماسبيرو» على التعامل معهم إلا باعتبارهم «أعداء الوطن» و «مناوئي الأمن والاستقرار». ويمكن ملاحظة تأرجح كثيرين من مقدمي ومقدمات برامج الحوار على الشاشات الرسمية بين القيام بدور المذيع الحيادي الذي يسأل ليكشف الحقائق وبين المذيع الأمني الذي يسأل ليفضح المؤامرات المحاكة ضد النظام القائم أو الذي كان قائماً. لكن أكثر الظواهر الانتخابية التلفزيونية إيجابية، هو الكم الهائل من الإعلانات التوعوية التي تهدف إلى حضّ الناخب، بصرف النظر عن انتماءاته السياسية، على التوجه إلى صناديق الانتخاب مع تقديم شروح تفصيلية لخطوات العملية الانتخابية. هذه الإعلانات تبث على كل القنوات الرسمية والخاصة. والملاحظ أن غالبية تلك الإعلانات «المجانية» أخذت في الاعتبار نسبة الأمية المرتفعة بن الناخبين، فصممت بطريقة تجعل محتواها مفهوماً من خلال الرسوم المتحركة! ورغم تزايد الغموض حول مصير الانتخابات في ظل توتر الأوضاع الشديد في الشارع المصري، إلا أن كل القنوات التلفزيونية المصرية مازالت تبث الإعلانات التوعوية والإرشادية وأيضاً الترويجية!