هل فعلت الضغوط الأميركية والأوروبية فعلها برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو لوقف إجراءات تشريع قانون منع التمويل الأجنبي لمنظمات حقوقية ويسارية، فحدت به إلى إصدار تعليماته بتجميد الإجراءات؟ وتعني تعليمات نتانياهو هذه عدم طرح مشروع قانون «تجفيف الجمعيات اليسارية» الذي صادقت عليه اللجنة الوزارية لشؤون التشريع الأسبوع الماضي، على الهيئة العامة للكنيست للتصويت عليه. وبررت أوساط نتانياهو خطوته هذه بالطعون التي قدمت ضد مشروع القانون، ما يلزمه بحثها في الهيئة العامة لحكومته لبلورة نص بديل. وأضافت أن نتانياهو هو الذي سيقرر متى تلتئم الحكومة لهذا الغرض، «والمسألة مرهونة بالضغوط التي ستمارَس عليه من الجهات المختلفة». والمقصود بهذه الضغوط تلك التي يمارسها عليه الجناح المتشدد في حزبه «ليكود» وائتلافه الحكومي اليميني على السواء للمضي قدماً في تشريع القانون من جهة، ومن جهة أخرى الضغوط الأميركية والأوروبية لحمله على معارضة مشروع القانون بداعي أنه يمس بمكانة إسرائيل في الغرب كدولة ديموقراطية، كما سبق لسفير الاتحاد الأوروبي لدى إسرائيل أندرو ستندلي أن حذر مستشار رئيس الحكومة لشؤون الأمن القومي يعقوب عميدرور. وأعرب الاتحاد عن قلقه من انعكاسات هذا القانون وغيره من القوانين الأخيرة التي صادقت عليها «لجنة التشريع»، ورأى فيها محاولة لتقييد نشاط المجتمع المدني في إسرائيل. ووفق أوساط سياسية، فإن نتانياهو «ذهل من الانتقادات الشديدة لمشروع القانون التي سمعها من ممثلي حكومات أجنبية صديقة ومن المستشار القضائي لحكومته يهودا فاينشتاين». وطبقاً لتقارير صحافية، فإن نتانياهو، وبناء لتوصية فاينشتاين، طلب من مقدم مشروع القانون النائب زئيف ألكين صوغ نص بديل للمشروع الحالي يميز بين «الجمعيات السياسية» التي يمكن تحديد مبلغ الدعم الذي يمكن أن تتلقاه من دول أو جهات أجنبية بنحو ستة آلاف دولار فقط أو بفرض ضريبة عالية على المبالغ التي تتلقاها، وبين «جمعيات اجتماعية» أو «منظمات حقوق إنسان» لا تقف وراءها جهات سياسية ولا يمكن تحديد مبالغ دعمها. وأكد النائب زئيف ألكين (ليكود) أنه ستتم إعادة النظر في الصيغة الحالية لمشروع القانون «وسيتم في نهاية المطاف التصديق عليه في الكنيست»، رافضاً الانتقادات التي وصفت مشروعه بغير الديموقراطي وأن الغرض منه كم الأفواه المنتقدة الحكومة وسياستها، وقال إن القانون يهدف إلى منع تدخل دول أجنبية في الشؤون الداخلية لإسرائيل «وثمة توافق واسع في الحكومة على هذه المسألة». وانتقد النائب اليميني المتطرف أريه الداد (الاتحاد القومي) تراجع نتانياهو عن دعم مشروع القانون، وقال إن رئيس الحكومة ارتدع كعادته من سيل المقالات المنتقدة له في وسائل الإعلام العبرية وفزع من كلمة «فاشية» التي رددتها المقالات في توصيفها الأجواء الحالية في الدولة العبرية، وتراجع عن دعم قوانين مهمة يمكن أن تنقذ إسرائيل من أعدائها من الداخل. ورحّبت المنظمات الاجتماعية «شراكة – شوتفوت» بقرار نتانياهو تجميد إجراءات سن القانون، وقالت إن الضغط الشعبي فعل فعله «وأدرك نتانياهو أنه من دون جمعيات تنشط من أجل تحقيق المساواة والسلام وحقوق الإنسان، يمكن الإعلان عن القضاء على الديموقراطية في إسرائيل». ودعت هذه المنظمات رئيس الحكومة إلى شطب سائر مشاريع القوانين المطروحة على جدول أعمال الكنيست، والتي تبغي تعميق التمييز والعنصرية ضد المواطنين العرب الذين يشكلون 20 في المئة من سكان إسرائيل، يستحقون المساواة ولهم الحق في الاحتجاج ضد المظالم التي يتعرضون لها. وحذر مدير حركة «سلام الآن» اليسارية المناهضة للاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة يريف اوبنهايمر من التصديق على قانون منع التمويل الأجنبي. وأشار إلى أن «الجيش الإسرائيلي هو أكثر من يتلقى الدعم من حكومات أجنبية، كذلك تدعم هذه الحكومات أبحاثاً علمية وأكاديمية ومشاريع طبية وتربوية عدة بهدف دفع القيم المشتركة لإسرائيل ولدول الغرب، فكيف للحكومة أن تقبل بهذه التبرعات وتحجب الدعم عن منظمات تعارض سياسة الحكومة؟». وأشار إلى أن نتانياهو شخصياً يتمتع بدعم صحيفة (إسرائيل اليوم) تتلقى دعماً من مليونير أميركي وتخدم مصالح رئيس الحكومة، «وما تصرفه هذه الصحيفة في يوم واحد يساوي المبلغ الذي نتلقاه نحن في عام كامل». وتابع أن نتانياهو ومؤيديه إذ يصفون الجمعيات والمنظمات غير الحكومية بأنها معادية للجيش وتعمل على نزع الشرعية عن إسرائيل «إنما يقومون بعمل دنيء لأنهم يعرفون جيداً أن سلام الآن منظمة وطنية صهيونية أقامها ضباط في الجيش، ووجودها يشكل شهادة شرف للمجتمع الإسرائيلي».