لا تنفك صورة المراكب الشراعية التي تسابق الأمواج، تتزاحم في ذهن جاسم سلمان، في كل مرة يقصد زيارة البحرين، وهو يشق جسر الملك فهد، مستعيداً أصوات العمال السعوديين، المتوجهين إلى البحرين، في أوائل الستينات، ورائحة «التتن»، وهو السيجار الملفوف. وتعزف تلك السنين على وتر الحنين لدى جاسم ورفاقه، الذين عملوا في البحرين لسنوات، وتكونت لديهم «علاقة خاصة جداً» مع هذه الجزيرة، التي أصبحت فيما بعد «حنين الماضي، وفسحة الحاضر والمستقبل». ويقول جاسم «كنا شبانًا يافعين، نطمح لتوفير لقمة العيش لأسرنا. وكانت البحرين مصدر رزقنا. وبعد عقود، أصبحنا نقصدها مع أسرنا. لكنني شخصياً، أعود لها لاسترجع صوراً من الذكريات، كيف كنا نذهب للسينما المخيفة في ذلك الوقت، لنرى الوجوه كبيرة كالعفاريت. وبين التجول في الأسواق، ومشاهدة أزياء لم نعتد عليها في بلدنا، إلى جانب الحياة الجميلة التي كنا نعيشها». ويوضح أن البحرين «كانت، ولا تزال، وعلى رغم صغر مساحتها، تحمل جمالاً خاصاً بها، أبرزها التعايش الجميل بين مختلف الأديان والطوائف، فلا تستطيع أن تحدد إذا كان هذا الرجل الذي تشتري منه المشروب الغازي في البقالة الصغيرة، سنياً أم شيعياً، وهذا العامل الآسيوي مسلماً أم مسيحياً، أو ربما لا ديانة له». وجدول زيارة جاسم للأماكن السياحية في البحرين «متشابه، إلا أن البحر له نكهة خاصة، إلى جانب السوق الشعبي الذي أقضي فيه ساعات طويلة، أتأمل فيه الوجوه، وأحتسي الشاي المُخدر (المُركز). فيما أفراد الأسرة يتمتعون بصخب المجمعات التجارية». وتعد العلاقة التي تربط السعوديين عموماً، وسكان المنطقة الشرقية بصورة خاصة، مع البحرين، «مميزة جداً»، تختلف نسبياً عن العلاقة مع بقية دول الخليج، لا لكون المسافة التي تفصل بين الدولتين قصيرة جداً فحسب، بل لأن الامتزاج الاجتماعي جعلهما كتلة واحدة، والتشابه يكاد يصهرهما في كيان واحد، على الصعيد الاجتماعي والثقافي. وتعد البحرين الوجهة الأولى للأسر السعودية، ولهذه السياحة مقومات عدة، ولعل الإنسان البحريني من أكثر تلك المقومات، التي ساهمت في نجاح الثورة السياحية في دولة مؤلفة من 40 جزيرة. وعلى رغم عراقة المقومات السياحية في البحرين، وانتشارها، إلا أنها لا يمكن أن تجاري المغريات السياحية، في دول مجاورة، إلا أن ثبات المقوم السياحي في البحرين، يعد من أبرز الأسباب الجاذبة للسياحة، وكذلك شخصية الإنسان البحريني، ويقول عبد الإله الحميد: «لا يمكن بأي حال من الأحوال أن لا تعجب بالبحريني، فهو مثال على الكياسة وحسن المعاملة، وهو ودود محب للتعايش، ما جعل البحرين وجهة لمن ينشد هذا التعايش النادر». ويتردد الحميد، على البحرين بكثرة، إذ «لا يمر شهران من دون أن أزورها، لمحبتي لطيبة هذا الشعب الكريم. وأولت البحرين اهتماماً كبيراً بالسياحة، فشيدت الحدائق والمنتزهات والشواطئ. وتعد محمية العرين واحدة من أبرز وجهات السياح، إذ يشعرون أنهم في غابة تمتد على مساحة ثمانية كيلومترات مربعة، تتجول فيها الحيوانات بحرية. وتعتبر أول حديقة حيوان مفتوحة في الخليج العربي. وتختص بتربية الحيوانات، عبر إيجاد الظروف الطبيعية المناسبة لها للتكاثر، من دون إزعاج الحياة المدنية الحديثة.