حين تضاف أبعاد جديدة للسياحة، تكون الفائدة فائدتين، ويكون السائح قد نجح في أن يضرب عصفورين بحجر واحد. برشلونة عاصمة كتالونيا مدينة مفعمة بالحيوية والنشاط، فيها من كل فيلم أغنية، ومن كل ما تشتهيه الأنفس الكثير. هذه العاصمة الكتالونية يقطنها نحو 1,7 مليون مواطن أو ثلاثة ملايين شخص لو أضفنا إليهم سكان الضواحي مثل متارو وبدالونا وسبادل وغيرها. هي ثاني أهم المدن الإسبانية بعد مدريد، وميناؤها من أهم الموانئ على ساحل البحر المتوسط. هي مدينة عامرة بكم هائل من المغريات السياحية التارخية من مزارات مميزة مثل كنيسة العائلة المقدسة التي بدأ غاودي بناءها في عام 1882 ولم يكمل بناءها، ودير بيدرابليس الذي بدأ بناؤه في عام 1326 وتم تحويله إلى متحف، بالإضافة إلى المتاحف التاريخية والفنية. ولعشاق الطبيعة تزهو برشلونة بحدائقها التاريخية مثل «بارك غويل» رائعة الفنان غاودي في شمال المدينة والتي تعتبر تحفة فنية طبيعية، وحديقة «سيوتاديا» التي تحتوي على أشهر حدائق الحيوان وغيرها. ولعشاق البحر، هناك متعة الشواطئ والموانئ والمتحف البحري ومتحف الأسماك. حتى عشاق كرة القدم، فهناك زيارات للتجول في مقر النادي الأشهر نادي برشلونة. فرغم زيارته المسموح بها في غير أوقات المباراة، إلا أن الزائر يمكنه أن يشعر بآثار أدرينالين الإثارة تتسرب إليه وهو يشاهد غرف تغيير الملابس والاستاد. ومحبو الطعام والأكلات الشهية سيجدون في هذه المدينة ضالتهم المنشودة حيث لن تتركهم أطباق «الباييا» الشهية أبداً ضحية لبراثن الجوع. (يقال إن كلمة «باييا» أصلها عربي وهي «بقية» حيث كانت تعتمد على استخدام بقايا الأكل في إعدادها). الغريب أنه في خضم هذا الكم الهائل من المغريات السياحية التي تغازل كل الحواس، تبنت المدينة الساحرة عنصر جذب إضافياً ألا وهو الإثارة التي تختلط فيها متعة الرياضة بالمرح. فقبل أيام استقبل شاطئ «بوغاتل» نحو 1,2 مليون متابع من الإسبان والسياح ممن جاء بعضهم خصيصاً لمشاهدة فعاليات السباق الجوي الذي نظمته شركة «رد بل» على مدى يومين. الشاطئ العريض مترامي الأطراف اختفت معالمه الرملية تماماً تحت وطأة الأجساد البشرية المتلاحمة وجميع الرؤوس مرفوعة إلى أعلى. السباق الذي شارك فيه 15 متسابقاً من دول عدة انتهى بفوز الطيار البريطاني بول بونهام، وتبوأ النمساوي يان آرتش المركز الثاني، في حين جاء الأسترالي مات هول في المركز الثالث. استضافة برشلونة للسباق الجوي الوحيد من نوعه في العالم أمر بالغ الذكاء على المستوى السياحي. فالجولات السابقة التي استضافتها مدن عدة مثل لندن واسطنبول وإنترلاكين (التشيك)، وأكابولكو (المكسيك)، وبيرث (استراليا) وأبو ظبي أثبتت أن مثل هذه الفعاليات قادرة على تحقيق نسب جذب سياحية مرتفعة جداً، وهو ما حدث في برشلونة حيث سارعت شركات السياحة ووكلاء السفر إلى تجهيز قوائم خاصة بالفنادق القريبة من السباق، بل تم الترويج لرحلات إلى إسبانيا خصيصاً لمتابعة السباق مع تقديم تسهيلات وترتيبات خاصة لزيارة الأماكن السياحية على هامش السباق. يذكر أن الطيار السعودي شهاب علي رضا كان أول طيار عربي يشارك في سباق «رد بل الجوي العالمي» وذلك في عام 2007. تجربة إسبانيا في استضافة هذا الحدث الرياضي والترفيهي الكبير في ظل تنظيم لم يفته توفير وسائل مواصلات وتنويهات وتغيير مسارات مرورية وعمل قوائم بأسماء الفنادق وعناوينها المتاخمة للحدث والترويج للأنشطة المصاحبة للحدث من مطاعم ونوادي ليلية ومزارات سياحية وغيرها، تجربة نجاح يجب أن تحتذيها الدول الراغبة في تنشيط السياحة وتنمية الدخل السنوي وهو ما يؤدي إلى حلول سريعة لمشاكل مثل الفقر والبطالة وغيرهما. يشار إلى أن أسبانيا هي ثاني أكبر دولة استقطاباً للسياحة في العالم بعد فرنسا، وذلك حسب إحصاءات المنظمة العالمية للسياحة. ويزور إسبانيا في العام الواحد نحو 60 مليون سائح محققين دخلاً سنوياً يقدر بنحو 34 مليون يورو. وتعد العاصمة الكتالونية برشلونة وجهة السياح الأولى.