في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة التي تعصف بالولاياتالمتحدة، من معدل نمو يقل عن اثنين في المئة ومعدل بطالة يفوق تسعة في المئة وإلغاء عدد هائل من الوظائف وحبس الرهن بالنسبة إلى كثير من المنازل، انطلقت قبل أقل من خمسة أسابيع تجمعات بقيادة حركة «احتلال وول ستريت». وعبّرت هذه التجمعات عن الإحباط المشترك ما بين أطياف المجتمعات المحلية كلها في مختلف أنحاء البلاد، وحتى لو لم يقدّر تكتيكاتهم وجهودهم المسؤولون فهم نالوا دعم الشعب الأميركي وتعاطفه. لكن المتظاهرين يجب أن يحددوا مطالبهم على النحو الآتي: - خفض الضرائب على الشركات الصغيرة والمتوسطة - دعم سياسة صندوق الإغاثة الوطني للرهن العقاري - دعم زيادة الأجور - دعم سياسة تأمين فرص العمل - زيادة الأجور للوظائف المنخفضة الإنتاجية بما يلبي متطلبات المعيشة - دعم الحكومة لسياسة التعليم المجاني - دعم الحكومة لسياسة التأمين الصحي المجاني - دعم سياسة مرونة المصارف الرئيسية لتأمين قروض للشركات المتوسطة - دعم سياسة تطوير حاضنات الأعمال - دعم التشريعات لحماية التجارة تشير الإحصاءات إلى أن 49 في المئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة تدعم هذه التجمعات إذ تنبه مديرو هذه الشركات إلى أن الضرائب تأخذ حيزاً كبيراً من أرباحهم وأن المصارف التجارية لا تلبي احتياجاتهم من القروض نظراً إلى التعقيدات في منح القروض وتسهيلها للشركات الكبيرة فقط. وبما أن قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة هو المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي في الولاياتالمتحدة يجب على المعنيين تلبية صرخات المتظاهرين. وعلى رغم انتقادات البعض لهذه التجمعات بأنها تفتقر إلى رسالة واضحة المعالم، مما لا شك فيه أن هذه المسيرات أكدت مطالبتها بالشفافية في تعاملات الشركات الاستثمارية الكبيرة ووضع تشريعات واضحة على التعاملات اليومية كلها ومحاربة الفساد على مختلف أنواعه ومحاسبة مرتكبيه، ناهيك عن مطالبهم بتأمين معاشات تقاعدية مرتفعة وإيجاد فرص عمل ملائمة للشباب الصاعد الراغب في تحقيق «الحلم الأميركي». ونظراً إلى التغطية الإعلامية المستمرة امتدت هذه التظاهرات إلى عدد مرتفع من المدن في الولاياتالمتحدة إضافة إلى 80 دولة ما يؤكد أن الطبقة المتوسطة هي الأكثر تضرراً من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة. حين يضع المتظاهرون جدول أعمال واضح وصريح لمطالبهم، ويسخّرون طاقات طلاب الجامعات في أنحاء البلاد كلها، ويرسلون متحدثين من مختلف فئات المجتمع إلى السياسيين للمناشدة بهذه المطالب، تتحوّل هذه التجمعات من تظاهرة أشخاص غير راضين عن الوضع الاقتصادي الحالي إلى تحرك له أهداف واضحة وأجندة عمل متماسكة، على عكس ما كان يحدث في تظاهرات مماثلة في السنوات الأخيرة، خصوصاً انعقاد اجتماعات في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إذ لم تكن للمتظاهرين مطالب محددة تصل إلى آذان السياسيين. هنا الاختبار الصعب، فهل ستطور «احتلال وول ستريت» ذاتها إلى تحرك محدد الأهداف يجلب انتباه السياسيين ويدفعهم إلى مناقشة هذه الأهداف في البرلمانات والحكومات تمهيداً لدرسها وتحولها إلى مشاريع قوانين تؤدي إلى إصلاحات اقتصادية. هذا ما نترقبه في الأشهر القليلة المقبلة. * كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية - بيروت