هون (ليبيا) - أ ف ب - الترسانة العسكرية الضخمة التي تراكمت طيلة اثنين وأربعين عاماً من حكم معمر القذافي في ليبيا، والتي تعتبر الأهم في افريقيا على الأرجح، تروي حكاية جيشه غير الكفوء الذي يستخدم عتاداً تجاوزه الزمن، وكذلك جنون العظمة لديه. وأوضح كريم بيطار من المعهد الفرنسي للأبحاث الدولية والاستراتيجية (ايفريس)، أن «هذه الترسانة الضخمة» التي تشكل خطراً كبيراً على استقرار كل المنطقة، «تشكلت في جزء منها من اجل «الحرب الافريقية التي امتدت ثلاثين سنة» بين ليبيا وتشاد والسودان بين 1963 و1993». ومعمر القذافي الذي وصل الى السلطة في 1969 وكان «يحلم بفرض نفسه زعيماً على القارة الافريقية»، كثّف بوضوح السباق الى التسلح، بحسب الخبير الذي شدد على «تجاوز الحدود وجنون العظمة» لدى «قائد الثورة». وسمحت بلايين الدولارات التي نجمت من مبيعات النفط آنذاك بشراء كثيف للأسلحة: طائرات تفوق سرعتها سرعة الصوت ودبابات بالآلاف وصواريخ بالستية وذخائر بكميات خيالية. ويعود تاريخ المعدات المتواجدة في القواعد العسكرية الليبية التي لا تحصى، الى تلك الحقبة بصورة رئيسية. ففي مطار هون (جنوب)، في واحة جفرة، تهترئ طائرات تفوق سرعتها سرعة الصوت وطائرات ميغ-25 وقاذفات توبوليف تي في-22 مصنعة في الاتحاد السوفياتي في الستينات، الى جانب طائرات ترانسال الفرنسية ذات المحركين. لن تقلع هذه الطائرات مجدداً: فقد أصبحت هياكلها مفتتة، والمحركات أكلها الصدأ وتلفت حجرات القيادة بفعل الاشعة ما فوق البنفسجية. وقال مقاتل في النظام الجديد يقوم بحراسة المكان: «لم يعمد الحلف الأطلسي حتى الى قصفها، إن كل هذه الطائرات لم تعد تقلع منذ سنوات». وإلى القرب من هناك توجد قاعدة مدرعات روسية (قرابة 500) قصفها الحلف الاطلسي، ليست في وضع مغاير: فدبابات تي55 القديمة وآليات نقل الجنود بي أم بي-1 أكلها الصدأ وهي لم تتحرك في غالبيتها على ما يبدو منذ زمن طويل. والأمر نفسه قائم في مستودع لمدرعات من حجم مماثل في زليتن قرب طرابلس. وضحك مقاتل يقود دبابة تي 55 وقال: «إن دبابتي تحترق عندما ترتفع حرارة المحرك بشكل كبير». وبعد الطفرة التي حصلت في السبعينات، تناقصت الأموال المخصصة للصيانة في الثمانينات عندما انتكست تجربة اشتراكية القذافي -اقتصاد موجه ورقابة صارمة على الأسعار- بسبب انهيار سعر النفط الذي يشكل المصدر الاساسي للعائدات في البلاد. وأدت أولى العقوبات الدولية التي فرضت في 1982 بسبب التدخل الليبي في شؤون الدول المجاورة، والحصار الثاني الأكثر قسوة، لا سيما على الأسلحة، الذي اصدرته الاممالمتحدة في 1992 ضد «الدولة الارهابية» الليبية (اعتداء طائرة دي سي-10 التابعة لشركة يوتا وطائرة لوكربي...) الى نهاية هذا الاقتصاد المهتز. وعلى الرغم من رفع العقوبات في نهاية 2003، بقيت التجهيزات الجديدة نادرة: بضع دبابات تي-90 الروسية الصنع وصواريخ روسية وفرنسية. وعزا كريم بيطار «هزيمة هذا الجيش الفائق التجهيز في غضون بضعة اشهر الى تضافر مجموعة» عوامل. ميدانياً، يتمتع الجيش الليبي بمئات آلاف الاطنان من الذخائر القديمة العهد بالتأكيد، ولكنها عملانية، الامر الذي مكّنه من صد ثوار غير مجهزين. لكن الضربات الجوية للحلف الاطلسي هي التي عالجت «تفاوت القوى»، كما اوضح الخبير. وتحدث أيضاً عن «ضعف الكادر العسكري، لأن جنون العظمة لدى القذافي أدى إلى ابعاد اكثر الضباط كفاءة والاعتماد على المقربين تارة وعلى المرتزقة تارة أخرى (...) من دون هيكلية ولا أيديولوجيا». وفي مصراتة (215 كلم شرق طرابلس)، يروي الضابط السابق بشير الناري عن «الفساد وعدم الكفاءة» لجيشه. وكان يعمل في مركز اتصالات سري موجود في ملجأ مضاد للإشعاعات الذرية، والذي لم يعد سوى حفرةً إثر قصف الحلف الاطلسي. وتذكر الضابط قائلاً «لقد أبلغت هيئة الاركان قبل سنوات ان الذي قام بتشييد المبنى قلل من استخدام الباطون. ولم يصدر أي رد فعل» على ذلك. واضاف: «كانت هناك تسربات للمياه عندما تمطر. تتخيلون، المطر في ملجأ مضاد للإشعاعات الذرية...».