مشهد تكرر مراراً على مدى قرون في «قصر الحكم» بالرياض الذي يتوسط العاصمة السعودية من ناحيتها الجنوبية، في مكان يضم عدداً من الصروح ذات الصلة الوطيدة بتاريخ السعودية كالإمارة والجامع الكبير وساحة الصفاة وقصر المصمك. وهكذا فإن تدفق المواطنين أمس (السبت) على قصر الحكم لمبايعة الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود على ولاية العهد أعاد مشاهد تاريخية مماثلة، إذ أضحى قصر الحكم مقترناً بالبيعة، وكان آخرها مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في القصر نفسه قبل خمس سنوات. وقبلها تم الكثير من المبايعات في زوايا قصر الحكم بشكله القديم، قبل تطويره بالشكل الراهن في تسعينات القرن الماضي. ويعتبر قصر الحكم ذا قيمة تاريخية كبيرة، وشاهداً على التطور السياسي في المملكة، فهو مقر للحكم منذ عهد الإمام تركي بن عبدالله، وأعيد بناء هذا القصر في موقعه السابق على أرض واسعة وسط منطقة «الديرة» التاريخية (جنوبالرياض)، في مكان يجتمع فيه مع القصر الإمارة والجامع الكبير وساحة الصفاة وقصر المصمك التاريخي. ويبايع الحاضرون ولي العهد كأنهم ممثلون للمواطنين الذين لم يستطيعوا الحضور. وتتم المبايعة عادة في الصالات الداخلية للقصر.واستلهم تصميم القصر من الملامح التقليدية لعمارة المنطقة، إذ يبدو ظاهرياً كأنه مؤلف من جزأين، أحدهما جنوبي يتكون من ستة أدوار على هيئة قلعة ذات أسوار، وأربعة أبراج في أركانها، ترمز ضخامتها إلى القوة والمنعة، إضافة إلى برج خامس في الوسط يشكل مصدر إضاءة وتهوية للأفنية والمكاتب الواقعة تحته، ويلتصق بهذا البرج من جهة الشمال جزء آخر مؤلف من خمسة أدوار. والواجهات الخارجية لهذا القصر شبه مصمتة، فيما تنتشر داخله سلسلة من الفراغات والأفنية المتنوعة الأحجام الموزعة توزيعاً مرناً يُعطي إحساساً بالرحابة والسعة. وحضر إلى القصر أمس عدد كبير من وجهاء المجتمع السعودي وكبار القوم من مدنيين وعسكريين وأعضاء مجلس الشورى. وشوهد وزير التجارة والصناعة عبدالله أحمد زينل، ووزير المواصلات السابق ناصر السلوم، ورئيس هيئة الهلال الأحمر السابق عبدالرحمن السويلم، ورئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع الأمير سعود بن ثنيان، ورئيس شركة «سابك» المهندس محمد الماضي، ومشايخ قبائل، وأعضاء مجالس إدارات الشركات، ورؤساء تحرير صحف محلية. وجلس الحاضرون الذين لم يتمكنوا من الدخول في ميدان «العدل» وهو إحدى الساحات المفتوحة حول القصر، ليتظللوا في أطراف الميدان بأشجار النخيل التي أصبحت نقطة التقاء لممرات المشاة التي تتخلل منطقة قصر الحكم، ملتقين حول برج الساعة الذي يشمخ جنوب الميدان، ليشير إلى رمزية المكان والزمان. وتتم البيعة في الدور الأول من القصر، الذي يضم مجلساً ملكياً تبلغ مساحته ألفي متر مربع، وارتفاعه يبلغ 14 متراً، وشيدت على جانبي هذا المجلس صفوف من الأعمدة المغطاة بالرخام، وزينت جدرانه بزخارف ونقوش على الطراز المحلي، كما يضم أيضاً مكتباً رئيسياً ومجالس ملحقة به، وصالة رئيسية للطعام، إضافة إلى مجالس وقاعات وملاحق أخرى.