«الموسوعة العربية العالمية» هي إحدى المآثر الكثيرة لسلطان بن عبدالعزيز غفر الله له وجزاه عن العلم وأهله كل خير. هذا العمل الجبار أنجز قبل حوالي خمسة عشر عاماً وكتب له أن يظهر في طبعتين تشرفت برئاسة تحرير الطبعة الثانية منهما والتعرف عن قرب على قيمة العمل وحجم الإنفاق والجهد اللذين بذلا في إخراجه إلى حيز الوجود. ولقد كتب الكثير عن الموسوعة في الأيام القليلة الماضية إثر رحيل الرجل الذي ندين له بالفضل بعد الله في تحقيق حلم كبير من أحلام الثقافة العربية المعاصرة بأن تكون لها موسوعة كباقي الثقافات. ولكن ما كتب توقف عند حدود المقدمات والكتيبات التي تعرف بالموسوعة، وهو ما يحيط دون شك بالمعلومات الأساسية حول الموسوعة. لكن ما يغيب عن تلك المعلومات هو ما حل بالموسوعة منذ صدورها. لقد تفضل صاحب الدعم، الأمير سلطان بن عبدالعزيز طيب الله ثراه، بتخصيص ما لا يقل عن خمسين مليون ريال لدعم شراء حقوق ترجمة المداخل التي نهضت عليها الموسوعة، ثم تمويل الجهد التأليفي في ما يتصل بالعالمين العربي والإسلامي من مداخل، وما يتصل بذلك من صف وطباعة وتكاليف أخرى أساسية. حين انضممت لفريق العمل المشكل آنذاك بجهد صاحب الفكرة الأساسية للمشروع وهو الدكتور أحمد مهدي الشويخات، الذي كان رئيس تحرير الطبعة الأولى ومدير المؤسسة، وهو من دعاني للانضمام، كان كل شيء قائماً وكان المطلوب هو الخروج بطبعة أخرى تكون تطويراً للأولى وعلى نفس خطى المواءمة والتأليف التي اتبعت في الطبعة الأولى. وعلمت من الدكتور أحمد الكثير من الجوانب المضيئة التي لم يكن لها أن تتحقق لولا سلطان بن عبدالعزيز. فالمسألة لم تكن دفع أموال لإنجاز العمل، وإنما تعدت ذلك إلى دعمه معنوياً والوقوف معه في لحظات صعبة. من تلك المواقف موقف الأمير إزاء بعض من أراد إدخال مواد ذات طابع يسيء لموقف الاعتدال والتسامح الذي يسم السياسة السعودية، وذلك بالتهجم على مذاهب أو أشخاص في مداخل موسوعية متعصبة أو واضحة التحيز ومسيئة بالتالي للمعرفة. كان الأمير سلطان سداً منيعاً تجاه أولئك، مع أنه كان في مواقف أخرى صاحب مواقف حكيمة تحض على الموازنة بين الاتجاهات كافة. ولقد ذكر لي الدكتور أحمد الشويخات كيف أنه كان أحياناً ما يضطر للذهاب إلى الأمير سلطان رحمه الله مثلما ذهب من قبل مع الدكتور محمد الرشيد، وزير التربية والتعليم السابق، الذي كان أحد الداعمين الأوائل للمشروع والساعين لتبني الأمير له. كان الأمير يدعم الموسوعة بوصفها مصدراً منفتحاً ومتوازناً للمعرفة، وهي مهمة لاشك صعبة لكنها تحققت، وهي من الصفحات التي لا أظن الكثيرين يعرفونها وأردت أن تعرف لتضيف مأثرة إلى مآثر ذلك الرجل الكبير رحمه الله وجزاه عنا خيراً. بقي أن أقول إن تلك المأثرة الكبرى لسلطان بن عبدالعزيز، أي الموسوعة العربية العالمية، تشتكي الآن من التوقف أو شبه التوقف بعد أن خذلتها مؤسسات ثقافية في طليعتها وزارة الثقافة والإعلام، فترددت ولا تزال تتردد في تبنيها بعد أن عرضها الدكتور الشويخات على الوزارة، والدكتور الشويخات هو الآن صاحب حقوق النشر بعد أن منحه إياها الأمير سلطان رحمه الله. لماذا تعجز وزارة عن عمل كذلك وهي المعنية في نهاية الأمر؟ إنها الإمكانيات المالية دون شك، والإمكانيات ستحيلنا إما إلى الوزارة مباشرة في كيفية توظيف ميزانيتها أو إلى وزارة المالية التي كثيراً ما تتقاعس مع الأسف في إعطاء أية أهمية لمشاريع الثقافة، وفي كلتا الحالتين نحن أمام وضع مؤسف يجعل منجزاً علمياً ومعرفياً كبيراً عرضة للضعف بالتقادم. فالموسوعات عمل يتنامى بتوالي الطبعات وبالانتشار ولا يكتفي منه بطبعة أو طبعتين. من هنا أهيب بوزارة الثقافة والإعلام ووزارة المالية، أو بأية مؤسسة ثقافية كبرى من مؤسساتنا الكثيرة بحمد الله أن تمد يد الاحتضان والتبني مرة أخرى، لعمل أنجزه أمير نبيل رحل وترك مآثره تملأ الأرض ومنها هذه المأثرة. فهل من سامع يستجيب؟